×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

لنقتفي أثر الأسلاف !

من عاش تلك الفترة قبل أربعة عقود يعرف كيف كانت بساطة الحياة! في ذلك الزمن الجميل كان الأطفال يفرحون بلبس الجديد الذي لا يروه إلا يوم العيد.. هذا إن وُجد.. أولئك الأطفال لم يكونوا شؤماً على أهلهم، فقد كان أعز القوم من يكثر عياله، يسعد بهم ومعهم، يقومون بجميع الأعمال التي تناسب أعمارهم، قلَّما يتغيب أحدهم، أينما بحثت عنهم تجدهم قريبين من منازلهم.
في ذلك الزمن يعتمد معظم الناس على النار والحطب في الإضاءة، والميسور منهم يملك الأتريك والفانوس، ينامون ويستيقظون مبكرين، فلا مجال لضياع اليوم بلا عمل، ولا وجود لوسيلة الترفيه، والناس في حركة دائمة وعمل دؤوب بين رعي الغنم والزراعة والحفر والبناء بالحجارة وإصلاح ما يحتاج إلى إصلاح، وسيلة النقل لديهم ما يملكونه من الدواب مثل "الحمير والجمال" طعامهم قليل يأكلون بقدر حاجتهم، لاوجود لفائض الطعام لديهم، فصحَّت أجسامهم، وقلَّت أمراضهم، أما الدواء فبالطب الشعبي!
ومع صعوبة الحياة ذلك الزمن، إلا أن الناس قد ألفوا الحياة، وتأقلموا مع الطبيعة، فأضحت حياتهم سعيدة رغم العناء، يشعر معها الفلاح بفرحة حصاده، والراعي يسعد بحلب أغنامه، والباني يطرب باكتمال بنيانه، فالجميع في نشوة غامرة، ينشدون الأشعار ويتكاتفون في العمل الجماعي بالعون والمساعدة، فلا وجود للوافد الذي يمكن أن يقوم بالمهمة.
ليس للخصومة مكان مع أبناء الجيران، فالكل سواسية في مستوى معيشتهم، يتبادلون أواني المنزل وأدوات الحراثة، ويتعايش بعضهم مع بعض في سلام ووئام، كبيرهم أب لصغيرهم ناصحاً ومرشداً لهم إن أخطأوا، وصغيرهم يقتدي بكبيرهم في حركته وسكونه فيكتسب منه المروءة والكرم والبلاغة والسمت الحسن.
ربما الفقر والعوز إحدى العلامات التي أظهرت حاجتهم لبعضهم، فأكثرهم لا يملك المال لشراء حاجاته، معظم معاملاتهم بالمقايضة، لكنهم لا يتذمرون من إعانة بعضهم إن احتاج أحدهم للعون والمساعدة.
أكثر الرجال يحمل ذلك الدفتر الصغير الذي يُسمى "حفيظة النفوس" يشتمل على معلومات عن حاملها ومعه أفراد عائلته مدون بها طبيعة العمل "متسبب" أي بلا عمل أو يعمل أعمال حرة، معظمهم لم يتقيد بوظيفة، لكنه لا يعرف مفهوم العيب من العمل، فالعيب عنده أن يكون كسولاً عاطلاً ، تتنوع أعمالهم في مهن شتى " نجَّار – حدَّاد – خيَّاط – عامل حفر – فلَّاح – راعي – بنَّاء – حمَّال".
لا بديل في الوقت الحاضر عن التجريب وممارسة الأعمال الحرة، فالعالم من حولنا في حركة دائمة، فلنسارع في البحث عن الفرصة السانحة أينما وجدت دون أن نترك المجال لمنافسة الوافد، فمتى ملأنا الفراغ فإنه حتماً سيرحل، وإن أردنا الرقي والحضارة فلنقتفي أثر الأسلاف!
 0  0  598