×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

إنه الوطن ..

إنه الوطن ..


ليس الكلام على الوطن بمناسبة اليوم الوطني – على انحسار مجاله في هذا الحيّز الزمني الضّيّق – إلاّ استكشافا لما ينتجه الانتماء الصّادق للوطن من معان متّصلة بجوهر الوجود. فلا معنى لوجودنا خارج المنظومة الوطنية : نحميها ونثريها ونوسّع مداها استئناسا بالثقافات الكونية وانفتاحا على التجارب الإنسانية التي تسمح لنا بمواكبة حركية التاريخ وحيويته وعفويته، من جهة، وترسّخ انتماءنا إلى هويتنا العربية الإسلامية وولاءنا إلى وليّ أمرنا ، من جهة ثانية.

إنّه الوطن: اسم جامع لتصوّر ثقافيّ، قوامه رؤية حضارية حصيفة، ذات منظور وطني وعمق إنساني، تؤمن بثقافة التنوّع وتسهم في إرساء قواعد مجتمع متوازن ومتماسك يقرّ بفكرة التعايش والتعاون والتثاقف والتّحاور واحترام الآخر والإصغاء إليه.

إنّه الوطن: يسهر على قيادته وسياسته قادة استدعتهم العناية الإلاهية واختارتهم اللحظة التاريخية بكلّ تحدّياتها ليسلكوا به أقوم المسالك في تخليصه من القيود التي تحدّ من طاقات الخلق والإبداع الكامنة فيه. وهو اختيار تؤكّده الدراسات الأنثروبولوجية التي تعتبر التحديث في إطار الحفاظ على الهوية لعبة ثقافية حوارية في مسار التفاعل والتكيّف، تبحث في مظانّها عن آفاقها المنتظرة.فيكتمل العزم بالفعل، والتأصيل بالتفعيل، وترفع الحواجز بين:

- الأنا: بحيث نحافظ على أصولنا النواتية ونتجذّر في هويتنا الوطنية وخصوصيتنا العربية والإسلامية في إطار ما يمكن تسميته بالمسؤولية العقلية.
- والآخر: بمتابعة مصادر المعرفة التي ينتجها، وامتلاك الوعي بها، والتّحرّك في آفاقها الإنسانية والحضارية دون أن ننحسر في مجال التبعية وننزلق في متاهات الاختبارية.
إنّه الوطن: يكلّله شعار آمنّا به، وطالما ردّدناه وتوجّهنا به إلى طلبتنا وشبابنا: " وطن لاتحميه لا تستحقّ العيش فيه".

إنّ الرّهان معقود في هذا الوطن الحبيب على الشباب بما هم أفراد ومجتمع ومشروع حضاري فاعل في تحوّلات العصر، نرصد من خلالهم ثقافة الامتياز والاجتياز إلى الإبداع الطريف والابتكار الجديد والخلق الجريء، في ظلّ سياسة حكيمة تعي وعيا شديدا بأنّ نجاح التنمية معقود في شموله بمدى العناية بالشباب باعتبارهم قلب الوطن النابض، وطليعة القوى الحيّة بالبلاد، تفسح المجال واسعا أمامهم حتى يستثمروا طاقاتهم الإبداعية استثمارا يقيهم خطر الانحراف ويحصّنهم من آفة التطرّف. وما هذا الصرح الثقافي الذي يجمعنا اليوم، وفي هذه المناسبة الوطنية السعيدة، إلاّ وجه من وجوه هذا الاستثمار الواعي والواعد في شباب هذا الوطن الحبيب.

يحقّ لنا بعد هذا أن نفخر بوطننا وبقادتنا الذين يراهنون على كلّ الطاقات الوطنية الحيّة والكفاءات الشبابية المتألّقة في تأصيل التجربة الوطنية السعودية عربيّا وإنسانيّا، وتحديثها في آن معا. وهي تجربة ميسمها الذّكاء والمرونة، والتسلّح بالفكر النقدي والحسّ التاريخي، وتجنّب الأحكام العنيدة والأبدية، والانتقال بالمجتمع من مرحلة المضمون الأيديولوجي إلى مرحلة المضمون المعرفي.

أ.د. ظافر بن عبد الله آل حنتش
عميد كلية الآداب - جامعة الملك فيصل - رئيس مجلس إدارة نادي الأحساء الأدبي
 0  0  821