الرئاسة العامة للهيئات وجهودها في #الحج
لا يخفى على المسلم أن جماع هذا الدين هو الأمر والنهي، فالأمر الذي بعث الله به الرسل- صلوات الله وسلامه عليهم- هو الأمر بالمعروف، والنهي الذي بعثهم به هو النهي عن المنكر، وذلك من أجل تحقيق هداية الإنسان إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وإبعاده عن الشرك ومظاهر الضياع والتخبط والبدع والخرافات، ولا ريب أن تحقيق التوحيد وإقامة ذكر الله –تعالى- هو المقصود الأعظم للعبادات، ومن أجل ذلك أمر الله –تعالى- إبراهيم -عليه السلام- أن يؤذن في الناس بالحج فقال – عز وجل –: }وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ { ]سورة الحج: 27[ ، ومنذ انطلاق ذلك النداء العظيم إلى يومنا هذا، وقوافل الحجيج تفد إلى مكة، آمّين البيت الحرام: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. ومَنْ تأملَ خطبة النبي- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع يجد أنها مليئة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد أمر الناس بالتوحيد ونهاهم عن الشرك، وأمرهم بالعدل ونهاهم عن الظلم، وبَيَّنَ لهم حرمة الدماء المعصومة، وأوصى بالنساء خيراً، ووجَّه الناس إلى الاعتصام بحبل الله جميعاً، ونهاهم عن الافتراق، لذلك جعل الله –تعالى- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سببا من أسباب النصر والتمكين في الأرض، فقال تعالى: } الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ { ]سورة الحج : 41 [ ، جاء في تفسير القرطبي – رحمه الله - كان أمرهم بالمعروف أنهم دعوا إلى الإخلاص لله وحده لا شريك له; ونهيهم عن المنكر أنهم نهوا عن عبادة الأوثان وعبادة الشيطان .
ومن هذا المنطلق جاء اهتمام المملكة العربية السعودية – حرسها الله – بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل انفردت بذلك عن غيرها من سائر الدول، فقد أقام حكام هذه البلاد المباركة - رحم الله من مات منهم وحفظ الأحياء ومتعهم بالصحة والعافية – جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشيدوا بناءه انطلاقاً من عظم قدره وعلو شأنه، ويتضح ذلك جليًّا فيما يلقاه جهاز الهيئة من دعم سخي ورعاية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك/ سلمان بن عبدالعزيز، ومن ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن سلمان – حفظهما الله - .
ومَنْ تأملَ جهود الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحج يجد عملاً منظماً وجهداً مثمراً، يعكس صورة مشرفة عن سماحة الإسلام ووسطيته واعتداله، ويبرز جهود المملكة العربية السعودية في العناية بالحجيج وأمنه الفكري والعقدي، وييسر على حجاج بيت الله أداء مناسكهم وَفق هَدْي الكتاب والسنة بكل يسر وسهولة، وقد بَذَلَت الرئاسة في حج هذا العام جهوداً مضنية، واستخدمت وسائل دعوية متقدمة، وأعدت مراكز توجيهية مهيأة ومتطورة، يقوم عليها عدد كبير من الأعضاء ذوي الخبرة والدراية والعلم الشرعي، ويحملون شهادات ومؤهلات عليا تمكنهم من التعامل مع الحجيج بالرفق واللين وفق هدي سيد المرسلين- صلوات ربي وسلامه عليه- وهذه المراكز التوجيهية تعمل على مدار الساعة ؛ ويتضح لزائرها الجهد المبذول والاستعداد المبكر والتخطيط المميز لخدمة الحجيج والقيام بالواجب تجاه الدين والوطن.
وتُولي الرئاسة العامة التوعية والتوجيه والإرشاد أولوية هامة في موسم الحج، وذلك خدمة لضيوف الرحمن بمختلف جنسياتهم ولغاتهم، وقد أعدت منصات إلكترونية توجيهية وأطلقت عليها اسم (تواصل) ووضعتها في المطارات والمراكز التوجيهية داخل المشاعر المقدسة، وتحتوي هذه المنصة على شاشة عرض مهيأة بخمس عشرة لغة، وتتضمن محتويات مرئية ومقروءة ومسموعة، تمكن الحاج من استعراض مادتها باللغة التي تناسبه، ويفتتح المحتوى برسالة ترحيبية للحاج باسم المملكة العربية السعودية، وهذه الرسالة مليئة بالحب والتقدير والمشاعر النبيلة تجاه حجاج بيت الله الحرام، وكذلك تتضمن تسجيلاً للقرآن، وتفسيراً للعشر الأخير من كتاب الله، ومتن الأصول الثلاثة والقواعد الأربع، وقد وفرت الرئاسة إمكانية تحميل المحتوى على أجهزة الحجاج الذكية كالجوال وغيره من الأجهزة الأخرى، كما قامت الرئاسة العامة للهيئات بإطلاق تطبيق (مبرور) عبر الأجهزة الذكية، يُظْهرُ للحاجّ اليوم، والتاريخ، ودرجة الحرارة، والوقت المتبقي على موعد الوقوف بعرفة، ويحتوي –كذلك- على مكتبة دعوية مسموعة ومرئية ومقروءة، مليئة بالفوائد العلمية والكتب النافعة التي تقرر عقيدة التوحيد، وتدعو الحجاج إلى اتباع هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- في أداء مناسكهم، مما ساهم في توجيه الحجاج إلى البعد عن البدع والخرافات، ومنع مظاهر الشرك التي قد تقع في بعض المواقع من المشاعر، كمكتبة الحرم وغار حراء وشاخص عرفات ومسجد جعرانة، وغيرها من المواقع التي يعتقد بعض الحجاج أن لها قدسية معينة , وتقوم الرئاسة العامة مشكورة- بالإضافة إلى ما سبق- بالتعاقد مع عدد كبير من المترجمين بمختلف اللغات لتوجيه الحجاج وإرشادهم، وقد وُزّعَ ما يفوق ثلاثة ملايين نسخة من المطويات والأقراص المدمجة، بالإضافة إلى ما يُبَثُّ من خلال شاشات العرض التوعوية، ولاشك أن هذا العمل الضخم لم يكن ليتحقق لولا فضل الله –تعالى- وتوفيقه للقائمين على هذا الجهاز المبارك، وعلى رأسهم معالي الأستاذ الدكتور/ عبدالرحمن بن عبدالله السند، الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يتابع العمل لحظة بلحظة، ويذلل كل الصعاب ويدعم ويشجع ويؤازر وتجده بشكل مستمر في المراكز التوجيهية طوال موسم الحج، مذكراً أبناءه الذين يباشرون هذا العمل الجليل بفضل الصبر والاحتساب والتحمل؛ خدمة لدينهم ووطنهم وولاة أمرهم، وهذا الدعم السخي الذي يجده العاملون في الرئاسة العامة، وفروعها المنتشرة في جميع أنحاء المملكة من معاليه, كان له الأثر البالغ في تحسين الأداء وجودة العمل ودقة الإتقان والحرص والمثابرة، وما ذاك إلا لما يتمتع به – وفقه الله - من قيادة حكيمة، وعلم غزير ساهم في أن تكون هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عهده رائدة في شتى المجالات الدعوية والتوعوية وفق الأنظمة المنظمة لعملها، ووفق المنهج الشرعي الصحيح الذي تقوم عليه شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية.
علي الزويكي