عشرون خطوة الى #القيادة_الناجحة
غني عن البيان ما تلقاه الدول من عنت في تدبير الجنود للذود عن حياضها ، ودعم استقلالها ، وتحقيق امنها الوطني ، ولكن حاجتها الى القادة الاكفاء لقيادة هؤلاء الجند الى النصر ما فتئت تزداد بازدياد مساحة مسارح الحرب ، وتقدم تقنية القتال ، وتضخم الضغوط المعنوية التي يتعرض لها المقاتلون ، فضلا عن تعدد مذاهب وأساليب المعركة الحديثة للأسلحة المشتركة ، وتطور اسحلتها وذخائرها حتى بات من اللازم ان يتحلى قادتها بعدة صفات موروثة ومكتسبة تجعل منهم رجالا ناجحين ، ذوي نظرة ثاقبة في امور القتال وإطلاع واسع على شؤونه ، وخبرة عريضة بأحداثه وعواقبه وثمراته . وأما ان يتسنم القائد موقع السلطة التي يخولها له القانون حتى تنفتح امامه ثلاثة طرق لممارسة سيطرته على مرؤوسيه . فهو اما ان يقودهم بالترهيب . او بالترغيب ، او بالقدوة الحسنة .الا ان قيادة الترهيب بإعادة ما تكون قصيرة النفس تفقد مقوماتها بمجرد ان تغيب عين القائد عمن يقود ، او عندما يكون عبء العقاب اقل مشقة من انجاز العمل او اهون منه خطرا . اما قيادة الترغيب فيعيبها احتمال ان تتحول مع تقادم الزمن الى ضرب من المزايدة بين المرؤوسين الذي يطمع في المزيد من الثواب والرئيس الذي يشعر ان يعطي اكثر مما يأخذ . وتبقى قيادة القدوة الحسنة التي تضمن ولاء المرؤوسين في كل وقت ، ودون انتظار لمثوبة او شكر ، مهما ثقلت المهام او تجسدت المخاطر التي تعترض سبيل انجازها .
ومن الطبيعي ان ينتهج كل قائد الاسلوب الذي يحلو له للسيطرة على مرؤوسيه فلا يكاد يجتمع اثنان منهم على اسلوب واحد ، حتى وان تشابهت الظروف والعوامل المؤثرة ، ذلك لما لكل قائد من شخصية مستقلة ، وخصال وسجايا متميزة ، وثقافة وافق تفكيره لايماثله فيهما غيره ، فضلا عن مؤثرات السن والخبرة وكلها تجعل من القائد نموذجا منفردا يندر تكراره بنفس النمط فيما سواه ، ورغم اختلاف هذه النماذج بقدر اختلاف الصفات الموروثة والمكتسبة سالفة الذكر فانه يظل للقيادة الحكيمة مستلزمات لا غنى عنها ، يمكن تلخيصها بإيجاز فيما يلي :
1ـ فأول ما يلزم القائد الجيد ان يخالق الناس بخلق حسن ، ويمكنه تنمية هذه السجية الاسلامية الطيبة بإبداء الاهتمام الحقيقي والفوري بكل ما يعترض مرؤوسيه من مشاكل او ازمات ، مع مداومة الظهور بينهم كلما سمح وقته لتبادل الحديث معهم بالتي هي احسن .وتزداد اهمية ذلك في وقتنا الحالي نظرا لازدياد الاعمال المكتبية والأوراق الرسمية التي اصبحت تغرق القادة في بحر من الروتين الرتيب الذي يبعدهم عن جنودهم. ولهذا فانه يجمل بالقائد الكفء ان ينتزع نفسه من مكتبه عدة مرات في اليوم الواحد ليجلس الى جنوده ، ويخالقهم بالخلق الحسن ليكسب تقديرهم. وولاءهم الذي سوف يكون الحافز المضمون لهم ليتبعوه وسط اتون المعركة الى حيث يحققون وإياه احدى الحسنين .. النصر او الشهادة .
2ـ وعلى القائد ان يحرص عند الحديث مع جنوده ان يشيع جوا من التعاطف والتكاتف ، وان ينشر روح التعاون والمحبة ، وعليه ان يجعل جو الاجتماع مشوبا بالاحترام والتقدير المتبادل .
3ـ وليتجنب القائد الاسراف في بذل الوعود لجنوده ، وألا يمنيهم الا بما يقدر على تحقيقه لهم مما يدخل في دائرة اختصاصه ، فليس اضر بالعلاقة الصحيحة بين رئيس ومرؤوس من اخلاف الوعد او نقض العهد ثم التذرع بالحجج الواهية والذرائع الضعيفة .
4ـ وعلى القائد الجيد ان يلتزم بالعدل المطلق في كل تصرفاته مع جنوده فلا يفرق بينهم في المعاملة او يميز احدا منهم عن زميله الا لسبب وجيه ، كان يخص اكثرهم مهارة او انضباطا او نشاطا بالتشجيع والمكافأة ، او يوقع بآرائهم عملا الجزاء ، او يوجه له اللوم والتقريع .
5ـ وحري بالقائد الا يميل مع الهوى ، او يغير من اسلوب قيادته وموازين احكامه تبعا لتغير الاشخاص او المواقف فليس اضر بمعنويات الجند من تأرجح القائد بين التشدد والتسيب او الجنوح الى التسامح والتفريط معهم اليوم ليخرج عليهم بالصرامة والتزمت في الغد .
6ـ ويتعين على القائد الجيد ان ينصب معيارا ثابتا لجنوده يفرق به بغاية الوضوح بين الجندي الجيد والجندي السيء دون لبس او ابهام حتى تتكافأ الفرص امام الجميع في العمل طبقا لهذا المعيار .
7ـ ولما كانت النفس البشرية تميل الى حب المديح ويسعدها الثناء فان القائد الجيد يستطيع ان يتخذ من ذلك سلاحا يشجع المحسن من جنوده على زيادة احسانه ، ويهدد المسيء بمغبة اساءته .
8ـ ومن طبيعة البشر ايضا الجنوح الى اضفاء الاهمية على ذواتهم وما يفعلون ، والفخر بضخامة ما يحملونه من اعباء ومسؤوليات ، كما ان حافزهم الى النجاح يتناسب طرديا مع ثقل المهام وما قد يكتنفها من اخطار وأهوال ، ويزداد مع ما يظهره الرئيس لهم من ثقة وتقدير وامتنان .
9ـ وهناك ميزان دقيق بين المسؤولية الاجمالية والقدرة الذاتية، وعلى القائد الناجح الا يكلف مرؤوسا فوق ما يطيق حتى لايدفعه وأمثاله الى اليأس او يوقعه في اخطاء باهظة تنزع من وجدانه الثقة بالنفس ، وتبذر في ذاته جرثومة الامراض المعنوية مما يجعله يعجز عن انجاز المهام السهلة التي كان يحسن اداءها من قبل .
10ـ وعلى القائد الناجح ان يهيء الظروف المناسبة لمرؤوسيه بحيث لاترجح كفة ما يضع عليهم من مسؤوليات على كفة قدراتهم الذاتية ودرجات تحملهم لعلاجها المستمر ومن المعروف في عالم الاعمال او الانجاز الجيد عادة ما يتم بواسطة مجموعات الشغل المتكافئة معه .
11ـ ومن المفيد ان يقنع القائد مرؤوسيه بأنهم يحصلون بصفة مستمرة على احدث المعلومات المتيسرة عما يكلفون به من مهام . ويلزم ان يتأكد القائد من ان هذه المعلومات دقيقة وطازجة ، وأنها تتناول كل ما يهمهم من امور المؤسسة التي يتبعونها وخططها المستقبلة ، وما تم من انجازات ناجحة ، وما طرأ من تغييرات على سير العمل او المهام .
ولايمل البشر عن البحث عن المعلومات ذات الصلة المباشرة وبمصالحهم وحياتهم اليومية ، فإذا ما حجبت عنهم هذه المعلومات او تأخرت فسوف يعمدون الى تأليفها وترويجها ، ومع استمرار تداولها بينهم يزداد شحنها بالأكاذيب والترهات حتى تصبح اشاعات مختلفة لانصيب لها من الصحة . ولما كانت الاشاعة احب الى النفس البشرية من الحقيقة وأكثر جذبا للانتباه والاهتمام ، فإنها تسرى بين الافراد مسرى السم في الجسم ، ولهذا يجب على القائد الناجح ان يقطع عليها الطريق بتوفير المعلومات الصحيحة والطازجة لمرؤوسيه اولا بأول حتى يحصنهم ضد وباء الاشاعات وأضراره الجسيمة .
12ـ وكما يحرص القائد الناجح على ان تصل حصيلة تفكيره ودراساته الى جنوده في شكل اوامر عمليات وتوجيهات تعبوية وأوامر انذارية وأوامر مستديمة وغيرها فعليه ان يحرص ايضا على ان تصل اليه حصيلة تفكير جنوده ودقائق مشاعرهم وقناعاتهم فكل انسان يستطيع ان يعمل فكره ، وكل عقل يستطيع الابداع اذا ما وجد التشجيع وهيئت له الفرص ، ولسوف تزداد فرص النجاح اذا ما اصبح التفكير مشتركا والدراسة جماعية على نحو ما يمكن تحقيقه في المجتمعات العسكرية صغيرها وكبيرها . ويقول الجنرال جورد مارشال رئيس الاركان الامريكي في الحرب العالمية الثانية " ان الولاء والحرص عل اداء المهمة يرتبط اشد الارتباط بشعور المرؤوس بالمشاركة في انضاج القرار ، عن طريق اتاحة الفرصة له لنقل حصيلة فكره وأرائه الى رئيسه " فالوحدات التي تقبل بنات افكار جنودها وتسهل عليهم مقابلة قائدهم هي التي تكسب المعارك ، ويقدم افرادها حياتهم رخيصة في سبيل الوطن والغاية العليا .
( قيادة المرؤوس بالقدوة الحسنة تضمن ولاءه في كل الظروف )
13ـ ولكن التفكير مجرد وجه واحد لعملية النجاح التي يشكل العمل وجهها الثاني، وعلى القائد الناجح الا يتساهل في ان يبذل جنوده اقصى ما يملكون من طاقات لانجاز المهمة المطلوبة ، كما عليه الا يتساهل ايضا في حصول كل منهم على افضل ما تسمح به الظروف من راحة وترفيه طالما ليس هناك عمل ملح في انتظارهم والقائد الناجح هو اخر من ينام وأول من يصحو ، وهو الذي تكون اوامره ساعة الخطر ان اتبعوني وليس ان اسبقوني .
14ـ وإذا كان حتما انجاز عمل اليوم فعلى كل جندي ان يفهم ما يجب عليه انجازه ، فيبقى ان يقوم شخص ما بإصدار الامر الى هذا الجندي لينجز هذا العمل ، وكلما كان هذا الامر مباشرا وواضحا وموجزا كلما كان تنفيذه اضمن وأسرع . وعلى القائد الناجح ان يتجنب قول .... انني اظن انه يحسن بنا ان نعالج المشكلة على النحو التالي .. او " الا توافقوني الرأي انه يجمل بنا ان ..." فمثل هذه الاستهلالات التي تنم عن تردد وعدم حسن سوف تسرى عدواها بين الجند بما يضر بالعمل ويبطئ من معدلات انجازه ، بل ومن نوعية هذا الانجاز.
15ـ وإذا ما كان القائد هو الذي قام بالجهد الاكبر في انجاز العمل ، فعليه ان يعزو الفضل فيه الى المجموع حتى يغرس فيهم غريزة العمل المشترك والانجاز الجماعي الذي لاغنى للعمل العسكري الناجح عنه ، وما اطيب ان يخص جموعهم بالثناء امام رئيسه الاعلى الذي عادة ما يكون على معرفة بأنه هو الذي انجز العمل فبهذا يزداد رفعة بين مرؤوسيه الذين سوف يحيطونه بالمزيد من الاحترام والولاء والإعجاب كما سوف يكبر فيه انكار الذات والتواضع .
16ـ وعلى القائد الناجح ان يبادر كلما تغيرت المهمة الى توضيحها لمرؤوسيه حتى يطمئن الى حسن استيعابهم لواجباتهم الجديدة ، وأهمية نجاحهم في انجازها لأدراك الغاية المنشودة ، فهذا الاسلوب الجيد في القيادة يضمن تضافر جهودهم وتوجيهها نحو الهدف المشترك ، بدلا من تشتتها وتعارضها بما يهدر طاقاتهم دون طائل .
17ـ وعلى القائد الناجح الا يحرم معاونيه من التقريظ الذي يستحقونه ازاء ما ينجزونه من اعمال جيدة ، فهو يضمن بذلك حفزهم وزملاءهم على الابداع والابتكار وبذل الجهود الصادقة ، كما يضمن ايضا ولاءهم وامتنانهم له اذا اقر لكل مجيد بما اجاد ، ولم يأكل لحمه بان يعزو حصيلة انتاجه الى نفسه ، وهو اشد ما يسقط القائد في اعين مرؤوسيه . وفي الوقت نفسه يجمل بالقائد الناجح الا يسمح بالتفريط او التسيب او التواكل او ينتشر بين جنوده فرادى او مجموعات ، وان يكون بالغ الشدة ازاء ما قد يقع منهم في هذا المجال ، شديد الوضوح في استهجانه ومحاسبة مرتكبيه . ذلك لان التفريط والتسيب والتواكل يسري سريان السرطان في جسم المؤسسة فتهدر طاقاتها وتخمد انفاسها .
18ـ وينبغي للقائد الناجح الا يلفظ الا بالصدق ، فإنصاف الحقائق ، والحيل والذرائع كلها سلاح العاجز لمواجهة الوقع الذي تقتصر همته عن معالجة بشجاعة العسكريين . وبمجرد نصح المرؤوسين بان يلتزموا الصدق في القول والعمل يعتبر نصف الحقيقة ما لم يقل لهم ان الشجاعة في ابداء الرأي هي السلاح المضمون لكسب ثقة الرئيس ، واطمئنانه الى امانتهم الفكرية .ويعني ما سبق ضرورة قول كل الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة ، ثم تشجيع المرؤوسين على الالتزام بها بكل شجاعة وأمانة .
19ـ ولا غنى للقائد الناجح عن الابتعاد عن الشبهات ، وان يدير كافة شؤونه العقائدية والاجتماعية والمالية بما يرضى الله ورسوله ، فكل ما قد يكسبه القائد بغير حق سوف يخسر اضعافه من سمعته واحترامه بين اقرانه ، كما يخسر اضعاف اضعافه من ولاء مرؤوسيه ، وليس من اليسير على الجندي ان يسلم مصيره لقائد تحوطه الشبهات ، او تبدو منه بعض الهنات ، او لحظات الضعف الانساني الذي قد يغفر لسائر الناس ولكن احدا لن يغفره للقائد ، مهما كانت اعذاره او ذرائعه .
20ـ وأخيرا فانه يجمل بالقائد الناجح ان يتوقف بين الفينة والفينة ليعمل فكره نحو وظيفته ، ورؤسائه ، ومرؤوسيه ، وزملائه ، وكل ما يحيط بعمله من ظروف وملابسات ، وعليه ان يستاءل عما اذا كانت هناك نقاط ضعف او هناك في طبيعة علاقاته بهم جميعا ، وان يبحث عن وسائل تطوير وتحسين تلك العلاقات .
وعليه ايضا ان يسال نفسه هل انا كثير الشكوى من الظروف التي تحيط بي وبجنودي؟
وهل يدخل تصحيحها في دائرة نفوذي ؟
وهل يظن رئيسي المباشر انني اقصد انتقاده بما ارفعه اليه من مقترحات او شكاوى؟
وهل اخلص في تنفيذ المهام التي تصدر الي من رئيسي رغم انني على غير اقتناع بجدواها؟
وهل احس جنودي بذلك فاكبروا في خصلة الطاعة الحميدة ؟
وهل يشعر رئيسي بذلك؟
وهل ابدي استعدادا دائما للتعاون مع الغير دون ان يطلب احد مني ذلك؟
وهل احظى باحترام وتقدير الرؤساء والمرؤوسين ، ام هم يطيعون اوامري وتوجيهاتي بدافع من الرهبة والخوف فحسب ؟
وهل هناك ما استطيع عمله لاكتساب المزيد من ولائهم وتقديرهم ولجعل حياتهم اقل مشقة وأكثر بهجة ؟
ولسوف لن تكلفه هذه المسائلة شيئا ، اللهم الا تحسين ذاته ، وشحذ قريحته لاغتنام الفرصة كلما لاحت له ليزداد رفعه في مدار القيادة الناجحة التي تحظى بتقدير الرؤساء ، وثناء الزملاء ، وولاء المرؤوسين .
.. " ولمثل هذا فليعمل العاملون " صدق الله العظيم : الصافات 37: الاية 61 .
عقيد (م )/ محمد بن فراج الشهري
alfrrajmf@hotmail.com