الفوقيّة داء يقتل الإبداع ويصيب الاقتصاد في مقتل
لكي أكون دقيقا أقول ان بعض المسؤولين من وزراء ومدراء واداريين يعيشون حالة من الفوقية والبعض مصاب بداء العظمة وبالتالي فإن هؤلاء لا يؤدون دورهم الوظيفي وفقا لمعايير ومتطلبات وظائفهم ومسؤولياتهم وإنجاز المشاريع المخططة سلفا وابتكار مشاريع جديدة ومتطورة انسجاما مع مرحلة التحول2030 انهم بحق يعيشون في حالة غياب عن دورهم الوظيفي ومشغولين بأنفسهم فتفكيرهم جله منحصر في اثاث المكتب ولونه وهل هو اثاث امريكي او صيني ويأخذ رأي الأسرة والأصدقاء المصابين بنفس الداء وكذلك نوع السيارة ولونها وموديلها وعدد البشوت الصيفي والربيعي والشتوي (وبريستيج) الاستقبال في الصباح والمساء ولا يتحدث الا بمقدار وإنما يعتبر وقته مليء بالواجبات الوظيفية وهو لا يفكر في عدد ساعات الإنتاج في وزارته او إدارته بقدر ما يفكر أين يقضي سهرته ولعب البلوت.
إن هذه الشخصية موجودة بكثرة في كل مؤسسات الدولة والموكب الرسمي لمعاليه او سعادته يحتل مساحة واسعه من اهتمامه وتفكيره حتى المعاملات التي تعرض عليه لا يقرأها ويقرأها نيابة عنه السكرتير، والمعاملات تأخذ وقتا أطول للوصول الى التوقيع مهما كانت أهمية هذه المعاملة ويبقى المواطن على احر من الجمر ينتظر التوقيع على معاملته والتي تتعلق بحقوق مالية أو علاجية او تظلم او طلب النجدة كما هو الحال في بعض المحاكم ،إن هؤلاء المتعالين على خلق الله يعيشون حالة غياب الضمير وغياب الرقيب ، والاستقبالات الرسمية تسرق من المسؤول أثمن الأوقات وتقلل عدد ساعات الإنتاج والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا يحصر الاستقبال على الشخصيات ذات العلاقة فقط ؟!! بدلا من هذه الجموع الغفيرة من المسؤولين والاداريين الذين يتركون أعمالهم وينتظرون في صالات الاستقبال ساعات طويله وهذا يمنح الموظفين فرصة غياب المسؤول ليعيشوا حالة من التسيب والانشغال بأمورهم الخاصة وتضيع المصالح العامة التي وجدوا من أجلها وهذه الاستقبالات عمل لا ينتهي بل تبقى عملية (استقبل وودع) أمر مستمر يقض المضاجع ويقتل الوقت ويصيب الاقتصاد في مقتل.
أيها السادة والسيدات كم هو جميل لو يتفرغ المسؤول لأدائه الوظيفي ويتجرد من هذه المظاهر المرضية التي تعيق حركة التنمية وتضر باقتصاد الوطن وهي بحق تعد من أكبر أبواب الفساد المغلّفة وهي الأخطر والاعظم أثر على الفرد والمجتمع وهناك بعض المسؤولين بكل اسف وحسرة لا يداوم الا متأخرا وهذا يخالف الفطرة السليمة وكل مقومات البناء والتنمية بالإشارة الى انعدام الضمير والاخلاص وغياب الضبط الإداري وإدارة العمل اليومي ومحاسبة المقصر والمتهاون.
قرأت أن بعض الوزراء في الغرب يركبون دراجات هوائية للوصول الى مكاتبهم في الوقت المناسب تجنبا للتأخير وزحمة السيارات ثم لماذا هذا التأخير في أوقات تعتبر ذروة العمل والإنتاج وكم هو جميل أيضا لو يلتزم الجميع باحترام الوقت وكما قال أحد الهزليين مستهترا
ناموا ولا تستيقظوا ما فاز الا النوم
وفي الامثال الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك، كما انه لا ينتظر أحدا مهما على أو ارتفع
إن البكور في العمل مبارك وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أرزاق أمتي في بكورها) وقد اثار فضولي لكتابة هذا المقال زيارة لأحد المسؤولين الذين يهتمون بالمظاهر فمكتبه مليء بالمناظر الطبيعية والورود واطباق التمور والحلويات وموظفي الخدمة اليومية لشخصه الكريم بعكس ذلك الوزير الذي شرفت بزيارته ولا مانع من ذكر اسمه انه معالي الدكتور علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية سابقا فلا بساط احمر ولا بروتكول ولاحوا جز ولا خدم ولا حشم وعندما طلبت الدخول عليه كان الامر في غاية البساطة حيث قال السكرتير امامك خمس دقائق فقط لأنه مرتبط بموعد مع اخرين فقلت هذا الوقت يكفي وهو كثير ثم دخلت على معاليه فلم أرى إلا طاولة وكرسيين فقط امام هذه الطاولة ولم أرى على مكتبه الا معاملة واحدة يقرأها ليعطي عليها التوجيه وكان مبتسما ونهض من على كرسيه وارد ان يستقبلني بعيدا عن مكتبه فأسرعت اليه وسلمت عليه ثم لم يباشرني بالسؤال المعروف (وش عندك هات وش عندك) و اذن لي بالجلوس وطلب القهوة ثم سألني من أين أتيت ؟ فقلت من منطقة حفر الباطن فاخذ يلاطفني حتى هدّأ من رهبة المكان والزمان ثم قال ماهي حاجتك فشرحت حاجتي فكان نعم المسؤول والاخ والمواطن فشتان بين هذا وذاك فيا أيها المسؤولون تواضعوا لمواطنكم وتفرغوا لأداء واجبكم الوظيفي وأفيقوا من تخدير الفوقية وداء العظمة وكما قال الرافعي: إذا لم تزد على الدنيا شيئا كنت زائدا عليها، وكما يقال لو دامت لغيرك ما وصلت اليك والامام الشافعي رحمه الله قال:
وأفضل الناس ما بين الورى رجل تقضى على يده للناس حاجات
ويقول الحكماء إن أكثر الفساد اثرا على الدولة ضياع الوقت واهداره في أمور لا تجر نفعا ولا تدفع ضرا ولا تجبر كسرا انه قمة الفساد وذروته واعلموا أيها المتعالون على مواطنيكم والمتهاونين في أدائكم أنكم تحت نظر الرقيب وسوف يطولكم ماطا ل غير كم والكيس الفطن من اتعظ بغيره... والله المستعان
صالح حمدان