×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الترتيب في الحياة


قال الإمام أبو عبيدة : " مَن شغل نفسَه بغير المهمِّ أضرَّ بالأهمِّ "
لما يتأمل الإنسان في هذا الكون العظيم ويتمعن فيه يجد الترتيب والانتظام أساسه الذي يجذبُ الأنظار ، وذلك بانتظام دقيق لا يختل أبداً (كلٌ في فلكٍ يسبحون) وتأمل في تعاقب الليل والنهار (ولا الليلُ سابقُ النهار) هذه الحياة تسيرُ وأمورها بانتظام وترتيبٍ دقيق مدهش ، فسبحان من أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى ، وتأمل تعاقب الأيام في فصولها الأربعة ، بل سوف تعجبُ من إبداع هذا الكون وانتظامه بكل ما فيه . . فسبحان الله مبدعه .
لذلك جاء الإسلام بأمور وتشريعات مرتبة ترتبُ حياة المسلم بداية من الصلوات الخمس التي تجعل يومك مرتباً بانتظام دقيق ، وتجعل حياتك لها معنى وفائدة تسيرُ بك نحو هدفك الذي ترمقه وتسير نحوه ، وقد عُنيَ الإسلام بالترتيب والكمال وأمر به وحثّ عليه في كثير من العبادات واشترطه في أعمال الوضوء والصلاة والحج وغيرها من العبادات التي جاءت الشريعة بأوقاتها المرتبة ، ونزل القرآن الكريم مرتباً حسب الوقائع والأحداث دون فوضى .
فلما تسير حياتنا على الترتيب تكون منظمة غير متخبطة ومرتبة ومتسلسلة والناظر في حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرى الترتيب يسود حياته كلها ، أفلا نقتدي به في جميع أمور الحياة المترامية المشاغل والمتاعب ، فمن لا يعيش حياة الترتيب والجدية في عمله تجده يتخبط بين العشوائية والفوضى ، فلا يكاد ينتهي من عمل إلاّ انتقل لآخر من أموره الهامة ، ولا ينجزُ شيئاً من أعماله اليومية ، ليجد أكثرها مؤجلة أياماً وأسابيع ، فراحتْ أوقاته هباءً منثوراً .
فيجب على المسلم دائماً الحرص على أن يكون الترتيب أساس حياته ومعاشه ومواعيده وانجازاته ، لأنه بذلك سيخرج بفائدة في ترتيب المواعيد بعيداً عن الفوضى المذمومة شرعاً والمنبوذة عرفاً .
فكان الانتظام والترتيب مشترك بين الأمم حاضرها وماضيها ومستقبلها في كل شؤون حياتهم . . لكننا نتألم عندما نرى النظام والترتيب يسود ديار الغرب والكفر بخلاف ديارنا نحن المسلمون والعرب ، وذلك بسبب التفريط منا وعدم اهتمامنا بذلك جدياً .
فمن أسباب الفوضى عدم تقدير الوقت وعدم الاكتراث بقيمته وأهميته ، والتواكل والتسويف وتأخير المواعيد ، وكذلك الخمول والكسل واليأس في هذه الحياة الجميلة ، التي تكون مقتلة للإبداع والإنجاز .
واعلم أن التخلف عن المواعيد يرْبكُ استقرار حياتك ، ولا بد من تصحيح الفوضى المنتشرة بين أغلب الناس في كل مكان بالحفاظ على الترتيب والتزام المواعيد ، فلا تستقيم حياة الفرد إلاّ بالترتيب ، لأن الفوضى لها أضرارها الكثيرة على الفرد والمجتمع ، وتراكم الأشغال والأعمال في الوقت الواحد حيث يركز المرء على أعماله الصغيرة دون الكبيرة والأسهل دون فائدة ، ويضع له مواعيد في الزيارات تناسبه وتناسب غيره لا تشغله ولا تعطل غيره عن أمور حياتهم .
والفوضوية في صلة الرحم وعدم اختيار أوقاتها المناسبة تكون السبب الرئيسي في قطيعة الرحم ، وترتيب أوقاتها فلا تضارب في مواعيدك مع اهتماماتك ورغباتك وأساسياتك حتى لا تخلف وعداً لأنها مذمة ومنقصةٌ فيك وفي ترتيب حياتك .
وعدم الفوضوية في البيت تسوده الألفة والمحبة والهناء ، ويعيشُ أهله بأحسن حال وسعادة ، بخلاف من يعيش الفوضى تجده بأتعس حالٍ فلا طعم لديه للحياة الجميلة في بيته .
والمكتبة المنزلية أو العامة مهم جداً ترتيبها حتى يجد القارئ كل ما أراد الحصول عليه من الكتب بسهولة جداً دون عناءٍ يذكر ويختصر عليك الوقت في طلب الفائدة منه . . لنسمع أحد المهتمين بالقراءة يقول عن نفسه : " كنت لا أحرص على ترتيب مكتبتي ولا أفكر في ذلك إطلاقاً ، وأعيش الفوضوية في مكتبتي وذلك يرتاح له بالي ، فكنت أحتاج كتاباً مهماً أرجع إليه مرة أو مرتين كل شهر أو ثلاثة شهور لأهميته ، وبسبب عدم الترتيب لا أجده فاضطر إلى شراء آخر ، وهو كذلك حتى عزم بعد سنوات على ترتيب مكتبته ، فوجد بها ثلاث نسخ من هذا الكتاب وكل ذلك بسبب الفوضى في مكتبته " .
قال العلامة الإمام ابن القيم ـ رحمه الله - مبينًا سعي الشيطان في إضاعة وقت المسلم : " يأمُره بالأعمال المفضولة من الطاعات ، فيُحسِّنها في نظره ، ويُريه ما فيها من الفضل ليشغله عما هو أفضل ، ويشغله بما هو محبوب عند الله عمَّا هو أحبُّ إليه " .

خاتمة /
• اجعل لك مذكرة صغيرة تدون فيها مواعيدك .
• اجعل لك مواعيد للقراءة والكتابة ، ومواعيد لصلة الرحم ، وتحديد مواعيد النوم المبكر ، وترتيب أعمال البيت ، وترتيب الأعمال الخاصة بالعمل ، والأعمال الخارجية والرحلات والزيارات ، ومواعيد استخدام الأجهزة في البيت وغيرها .
• الترتيب يجعل في وقتك البركة ، والعزيمة على العمل بكل جدٍ ونشاط ، ويساعدك على إتمام مشاغلك وانجاز مواعيدك ، فلنبدأ يومنا مرتباً بصلاة الفجر ثم الأذكار ثم الأعمال . . وهكذا إلى وقت النوم المبكر ليلاً .
• الحرص والاستفادة من شيء لتسهيل الترتيب في أمور الحياة ، واحذر التسويف والتأجيل للأمور الهامة .
• ثمرة الترتيب المحافظة على الوقت والاستفادة منه في الانجاز .


الأربعاء
22 / رجب / 1438هـ
 0  0  1109