النجاح الباهر إنجاز أم صدفة؟ (1 من 2)
النجاح الباهر إنجاز أم صدفة؟ (1 من 2)
عوض آل سرور الأسمري
في هذا المقال لن نتكلم عن النجاح الطبيعي، ولكن ما نقصده هم أولئك الأفذاذ الذين سطر التاريخ نجاحاتهم ونجوميتهم القصوى. لن أستعرض النجاحات السياسية والإدارية لكبار القادة والسياسيين، الذين يعتبرون في عالمنا العربي عمالقة الناجحين والنجومية. ما أقصده هو إيراد بعض الدروس والعبر لنا نحن الكبار لكي نهتم بصغارنا في عصر تعددت فيه مجالات المواهب والنجاح. فيجب أن نبذل الجهد الأقصى معهم في استثمار أعمارهم الغضة التي هي مسئوليتنا نحن. ذلك باكتشاف مواهبهم الكامنة، وإرشادهم إلى طرق تنميتها، بل إرغامهم على فعل ذلك، فهذه مسئولية الوالدين، أما المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع فإنها مطالبة بتوفير كافة وسائل تنمية القدرات وأحدث التقنيات للأجيال الناشئة.
هناك مفاهيم شائعة حول عوامل النجاح والتفوق، قد تكون حقيقة، وقد تكون خيالا. دعونا نستعرض معا ما توصل إليه الباحث الكندي مالكولم غلا دويل Malcolm Gladwell في دراسة العوامل الحقيقية التي صنعت كبار الناجحين في مجالات الأعمال، والعلوم، والفنون، والمجالات الرياضية. وهذه المجالات متاحة للجميع (الغني والفقير). توصل الباحث إلى مفاهيم قد تفاجئ الجميع. لأنها لا تمت للواقع بصلة.
يقول غلا دويل في كتابه أوت لايرز Outliersالذي يهدف إلى تفسير ظاهرة النجاح المتطرف (نجاح الأفذاذ). فهو يشرح السر في نجومية ألمع الرياضيين، وثراء أغنى الأغنياء، وتفوق نخبة النخبة من الصناعيين ومبرمجي الحواسيب، والفنانين، وعلماء الرياضيات والفيزياء. أولئك الذين صاغوا ملامح حياتنا وثقافاتنا في زمننا هذا.
هل هناك خلطة سرية تجعلنا مثلهم، أم أن الأمر خارج نطاق الموهبة والإرادة البشرية؟
الكاتب يميل إلى الرأي الأخير من السؤال، فهو يسير بنا عبر أكثر من نتيجة مدعمة بالأرقام والإحصاءات لكي يقنعنا بأن التفوق الباهر يعتمد على عوامل شتى أهم من الموهبة الطبيعية. ومنها على سبيل المثال: ظروف المجتمع، والعادات والتقاليد، والحظ.
النجاح: إنجاز أم صدفة؟
ينصحنا غلا دويل بألا نسأل عن حياة الناجحين الخاصة ،بل يجب أن نفهم سر نجاحهم. علينا أن نعرف من أين جاء الشخص الناجح؟ من والداه، و إلى أي عرق ينتميان، وما الفترة الزمنية التي ولد فيها؟ وما المميزات التي تمتع بها في صغره، والتي أتاحت له أن يمارس هوايته؟ وما طول الفترة التي مارس فيها هوايته ونشاطه، ما عوامل الصدفة التي خدمته؟ بعدما نلم بهذه التفاصيل، فإنه يسعنا أن نسأل عن الموهبة التي يتمتع بها هذا الفذ، وعن مقدار عبقريته. ومن الأمثلة التي أوردها الكاتب، عامل تاريخ الولادة.
كون المؤلف كندي الجنسية فإنه تطرق إلى رياضة الهوكي التي يعشقها الكنديون، وقد لاحظ غلا دويل أن اللاعبين البارزين الذين يحرزون البطولات العالمية، وتخلد أسماؤهم في السجلات في فرق الهوكي الكندية في جميع درجاتها، كل هؤلاء يلاحظ أنهم مولودون خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام. قلة من لاعبي الهوكي العظماء ولدوا في منتصف السنة، وفئة نادرة ولدوا في الأشهر الأخيرة من العام. وهذا يعكس الكيفية التي تخدم بها الظروف المؤسسة الرياضية الكندية وظروف القدر. فنظام اختيار لاعب الهوكي يبدأ بمراحل المدرسة الابتدائية، ويمتد عبر المراحل العمرية، حيث تتم تصفية اللاعبين المنتمين لذات العمر وفق قدراتهم الجسمانية والعقلية. يبدو هذا التنظيم عادلا ومنصفا لأنه يتيح الفرصة للجميع ويعطي الأفضلية لمن يبذل جهدا أكبر ويتمتع بموهبة أميز عن سواه.
في المقال المقبل إن شاء الله سنتطرق إلى الخدعة الخفية وراء النجاحات الباهرة في مجالات شتى حسبما أورده المؤلف من نظريات.
الإقتصادية //