×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الإعلام كقوة إستراتيجية في إدارة الصراعات

ظل الإعلام طيلة تاريخه أداة مؤثرة في إدارة الصراع، ومعاضدة الجهد السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني للدول، ضمن استراتيجيات وخطط ظاهرة وخفية. وهذا المجال من التوظيف استثمرته الدول الكبرى، ونجحت في توظيفه منذ ما قبل الحرب الغربية الثانية، وتواصل هذه الدور حتى يومنا هذا بتطور الوسائل. وفي العالم العربي تحديدا بدأ توظيف قوى الاستعمار الشرس للإعلام منذ وقت مبكر. ويكشف التاريخ على سبيل المثال أن إيطاليا "موسيليني" كانت أول دولة غربية أنشأت إذاعة عربية باسم إذاعة "Bari" سنة 1934، ثم تلاها السباق المحموم على إنشاء المزيد من الإذاعات العربية التي أطلقها المتنافسون وقتها من لندن وبرلين وباريس ثم موسكو وواشنطن وغيرها.

واليوم يجد المواطن العربي أمامه ليل نهار، عشرات القنوات والإذاعات (الأجنبية) الموجهة باللغة العربية، والتي تبثها عواصم (كل) الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومعها المئات الأخرى التي تبثها دول شرقية وغربية وهدفها (الرئيس) عقل وقلب الإنسان العربي في كل زمان ومكان. وفي المقابل العربي نجد جهودا إعلامية خاصة في مجال البث الفضائي، ولكنها لم تستطع رغم كثرة أعدادها أن تكون أدوات عربية مؤثرة على مسرح الصراع الدولي، أو تحقق بعض التأثير الإيجابي في الرأي العام العالمي. بل إن الانتشار الجغرافي الذي حققته بعضها لم يثمر في خدمة "الحق" العربي بما يتوازى مع إسهامها بشكل مباشر، أو غير مباشر في تشويش الرأي العام العالمي حيال قضايا العرب الكبرى وصورتهم الذهنية.

ومن يتأمل الصورة العامة للمشهد الإعلامي العربي (الفضائي)، يجد أن النجاحات الضئيلة تختفي في طوفان ثلاثة أقسام طاغية على إعلام العرب: الأول إعلام متخشب يدار بعقلية بيروقراطية أو انتهازية، بلا إبداع وبلا هدف، ويشمل هذا القسم بعض الكيانات الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية، والقسم الثاني: إعلام رخو يطغى عليه المحتوى الترفيهي السطحي الذي لا يتبنى مواهب خلاقة، ولا يقدم محتوى مستنيرا تحتاجه مجتمعات تنخر فيها الأمية والتطرف والإحباط. أما القسم الثالث فهو إعلام مستنسخ مسخ، لا يعبر عن روح المجتمع العربي، ولا يحترم طموحه وهويته.

ومع هذه الحالة العامة للإعلام العربي، تبرز نماذج من الإعلام الأجنبي الناطق بالعربية لتحقق التأثير، وقبله القبول من شرائح المجتمع العربي، ولكنها في نهاية الأمر ستظل ضمن أدوات القوة الناعمة لمن يديرونها ويوجهونها. وعلى الشبكات الاجتماعية ها هي الحالة العربية تتكرر، وبالطبع ستتكرر النتيجة، وما عواصف "الربيع" العربي عنا ببعيد.

قال ومضى:
ما أقسى (الخيانة) لأنها لا تأتي إلا ممن (وثقنا) بهم.

د. فايز عبدالله #الرياض
 0  0  5047