×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

#التعصب_الرياضي


وقع في يدي كتاب جميل جداً من القطع الكبير والطباعة الملونة الراقية التي تجذب القراء ، ومما زاد جماله عنوانه وغلافه (دعني أشجع فريقي) لمؤلفه الشاب مؤنس بن أسعد شجاع ، حيث جمّل غلافه باللون الأخضر مثل أرضية الملعب .
فأعجبني فيه أنه تطرق لموضوع التعصب الرياضي الذي تعاني منه الدول والمجتمعات والأسر والأفراد وبين الأقران .
فأحببت أن أدوّن بعض الكلمات حول هذا الموضوع (التعصب الرياضي) الذي ما زال مشكلة خطيرة تزيد يوماً بعد يوم ، وزاد في توترها الإعلام الرياضي بكل طرقه وأنواعه ووسائله ورجاله ، فقد أخذت الرياضة حيزاً كبيراً من الإعلام المرئي والمسموع والمقروء ، حيث ضخمها ورفع من مكانة اللاعبين وجعلهم نجوماً ساطعة في سماء الرياضة ، حيث أصبح البعض ممن يشجع لا يرى في فريقه عيباً ولا في لاعبه المفضل ، وأن الإعلام وراء كل هذه المشاكل والمصائب اليومية في الشارع الرياضي .
فالتشجيع حرية فردية ؛ لكنها بأخلاق رياضية عالية ، وإذا وصلت إلى التعصب المقيت فتركُ الرياضة ومتابعتها أولى وأفضل من أن تخسر صحتك ووقتك وأصدقائك .
لنرى أن الإعلام الرياضي هو الحاصل على المركز الأول في نشر التعصب الرياضي والمساعدة عليه ، وكذلك ما نراه من حسابات مجهولة في برامج التواصل الاجتماعي تنشر التعصب بين الأجيال برسائل مقصودة وغير مقصودة ليكونوا فريسة سهلة لهذا التعصب الرياضي بحسن نيّة وهم لا يعلمون ما وراء التعصب الرياضي إلاّ التنازل عن الأخلاق والقيم الإسلامية والإنسانية والنزول إلى ما دونها .
وما نراه ونشاهده كل يومٍ في مجتمعاتنا من مشاكل بين الشباب بسبب هذه الفرق ومشجعيها ، وسرعة انتشارها وسرعة تجاوب الإعلام معها ، لنجد المشاكل قد تحصل في البيت الواحد بين اثنين من أفراد الأسرة الواحدة ، لأن لكل شخص فريق مخصص يشجعه ويسعى لرفعه والدفاع عنه .
فلو علم المشجع والمتعصب ما وراء الأكمة من مشاكل لترك الرياضة بأكملها ولم يلقِ لها بالاً .
فالرياضة مباحة في الإسلام لتقوية الجسم وحمايته من الأمراض ، فأمر بها وحدد أنواع الرياضة المفيدة ، والجديرة بالاهتمام والمتابعة ، أما ما نراه من بعض الرياضات فالإسلام له نظرته في ذلك ، ولسنا بصدد الحديث عنها وإنما عن داء التعصب الرياضي ومشاكله ، ليعلم كلُ رياضي متعصب أنما هو يدور في دوامة خطيرة لا يدري ما خلف الأمواج من أعاصير مخيفة .
فقد يتعصب لنادٍ من دولته ، أو من خارجها فلا يهمه أكان عربياً أو لا ، أكان مسلماً أو كافراً ، وعادة ما يكون التعصب مصحوباً بالاستهزاء والإساءة والسخرية والاتهامات الباطلة ، والتجريح غير المبرر يقضي على روح الرياضة وجمالياتها التنافسية .
حيث أنه يفضي إلى اختلاق عداوة كاملة وتامة بين الأصدقاء والإخوان وإلى مبارزات تلفزيونية على مستوى كبار الشخصيات الهامة في المجتمع الرياضي ، وعلى مستوى المقالات الصحفية ، وقد يتم تصعيدها سياسياً على مستوى الدول كما حصل سابقاً في بعض البلدان العربية .
فالإفراط في حب الفريق المفضل أو اللاعب الفلاني المفضل أمرٌ مقيت تعافه النفوس السوية والقلوب الرضية ، وتغليب جانب العاطفة على العقل في التشجيع يفضي إلى أمور لا تحمد عقباها ، وما تشارك به وسائل التواصل والوسائل الإعلامية يزيد من حدّة التعصب ، ويوقد شرارتها بين الرياضيين من خلال العناوين الكبيرة المستفزة للجمهور الرياضي ، والتصاريح الصحفية الإعلامية المتعصبة للأندية يخلقُ فجوة بين الشباب .
فيجب على الإعلام الرياضي ومن يقف خلفه من رجالاته مراعاة هذه الأمور والاتزان في نشر الأخبار وعناوينها لأن غالب فئة الشباب يتابعه ، ولنعلم علماً يقيناً أن بعض الصحف والقائمين عليها تتعمدُ ذلك ، وقد سمعت من أحد اللاعبين المشهورين في لقاء صحفي معه قال : (أنتم يالإعلام تصنعون المشاكل بين اللاعبين ، وبين الجماهير) وبعض الإعلاميين المتعصبين يثير ذلك عبر حسابه ، وقد رأينا نماذج كثيرة عبر تويتر ، فكيف يكون الإعلام قدوةً رياضياً وهو بهذه الطريقة المقيتة .
فالعداوة والتعصب كلاهما لا يأتيان بخير وأضف معهما الانفعالية الزائدة واللجوء إلى الانعزالية والحساسية في الحديث مع الناس حول الرياضة وكأن كل صيحة عليه .
والسب والشتم لكل نادٍ أو فريق أو لاعب مسلم ربما تغلب على فريقه المفضل واللعن في كثير من الأحيان . . وكأن الأجيال لم تعرف غير السب والشتم في مجال الرياضة ، أو الإساءة إلى الأقران بحجة أن فريقه لا يعجبني أو لا يمثلني . . أو أن اللاعب الفلاني لا يعجبني .
ولأن المتعصب لا يرى الواقع على حقيقته ، بل يراه على هواه بعين عوراء وما تميل إليه نفسه ، ويرى خلاف ما يراه الناس .
ونرى دائماً المتعصب يلوي أعناق الحقائق ويزيف الواقع ، وبالتالي يحرم نفسه وغيره من الوصول للحقائق ، ويذكي النزاعات ويطيل مدة الخلاف بينه وبين أقرانه وخصومه الرياضيين .
وقد يصل التعصب من الأفراد إلى المجتمع ، وذلك في شغب الملاعب وتواجه جماهير الفريقين ، وقد رأينا كثيراً من ذلك في بعض الدول المسلمة ورأينا الدور الكبير في التعصب الذي تذكيه وتنميه ما تسمى برابطة المشجعين ومن يقف خلفها من المتعصبين الرياضيين الذين لا هم لهم إلاّ الفوز بأي طريقة كانت .
وشاهدنا حوادث مؤسفة في الحقيقة ليست سوى إفرازات لذلك الاحتقان الرياضي بين الشباب الذي غذاه التعصب الرياضي ، نظراً لعدم مساهمة غالبية الأندية الرياضية والعمل لتحقيق الهدف الأسمى وهو إعداد المواطن الصالح الذي يخدم دينه ووطنه ومجتمعه ، وحيث أن جميع الأندية مكتوب على شعاراتها (نادي رياضي اجتماعي ثقافي) فلم نرى من الشعار سوى نادي رياضي فقط ؛ ويسانده التعصب الرياضي . . فأين هي الأندية الرياضية وإعلامها من ذلك . . والله المستعان .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد


كتبه
الأستاذ التربوي
عيسى بن سليمان الفيفي
12 / 3 / 1438هـ
الاحد
 0  0  869