×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

العودة إلى مناطق الدفء الإجتماعي

في عصرنا الحاضر إبتعد الناس كثيراً عن لقاءاتهم التقليدية المباشرة وتواصلهم الإجتماعي ولم يعد الحرص على تبادل الزيارات المنزلية أو الخروج للأماكن العامة والمتنزهات على المستوى الأسري أمراً عادياً ولا مشهداً مألوفاً كما كان سابقاً حينما لم يكن هناك من وسائل الإتصال والتقنية والترفيه كما هو الحال اليوم مايحول بينهم وبين تلك اللقاءات الجميلة التي تفيض محبة ومودة بين الناس لاتحدها الفوارق الإجتماعية ولا الطبقيات الناشئة عن الوضع الإقتصادي والإجتماعي أو المستوى الثقافي بين الناس .

الجميع كانوا يحرصون على حضور أي مناسبة مهما كلف الأمر متمسكون بآداب لمجالس فلا يسمع فيها إلا صوت واحد يتحدث من خلاله أحد الحاضرين عن حكاية أو قصة أو يلقي قصيدة أو يروي موقفاً أو يناقش قضية والباقون في حالة صمت ومتابعة والإستماع إليه بإصغاء تام لتعم الفائدة ولتبقى حبال أفكاره متصلة دون تشتيت لذهنه حتى يفرغ من تأدية دوره في المجلس العامر بالتقاليد العريقة والمبادئ والقيم الراسخة في الأذهان لا يجرؤ أحد على تجاوزها وهم ينهلون من معين قيم المجتمع ومناقبه الأصيلة المتوارثة وتضحياتهم وإيثارهم لبعضهم البعض ومحبتهم ومودتهم وتسامحهم , وكانت السعادة تغمر أجواء الحياة العامة وتجري في عروق البشر كسمة إجتماعية تبرهن على السجية المطلقة والفطرة السليمة للمجتمع , أما اليوم فلم يعد لتلك الأيام في النفوس إلا الذكريات الجميلة نتذكرها أحياناً بألم وحسرة على ماض جميل فات ونحن في خضم مرحلة تسلطت عليها التقنية وشبكات التواصل الحديثة التي نحملها في أيدينا على مدار الساعة حتى أعادت تشكيل حياتنا بما يخالف وضعها السابق جملة وتفصيلاً ويتناقض مع مبادئ ماضينا وسمته الذي سمت به النفوس وتسامت به القلوب عبر الأزمنة .

المعطيات الجديدة من وسائل التواصل المختلفة ليست سيئة بذاتها كما يعتقد البعض ولكن سوء إستخدامها والإنعكاف عليها والتعلق بها والتأثر بمحتواها وإفرازاتها وجعلها الخيار الأوحد في حياة غالب المواطنين كانت هي الأسباب الرئيسية التي جعلت أصابع الإتهام تشير إليها وتحملها المسؤولية كاملة عما آلت إليه أحوال الناس الإجتماعية ومدى تأثيرها السلبي الحاصل الآن وجعلت معظم الناس إنطوائيون يعيشون حياة طغى عليها طابع الخصوصية المريب والتواري عن الأنظار ومقاطعة المناسبات الإجتماعية والهروب إلى بيئات أخرى غامضة ومجهولة وأصبحت الزيارات داخل نطاق الأسرة أو القبيلة العائلية عبئاً ثقيلاً جداً بما يوجد حالاً من السخط والتبرم في النفوس أثناء تبادل الزيارات التي تتم على مضض في ظروف معينة قد لايظهر بشكل علني حتى وإن كانت مؤشراته مطلة من جبين مقطب أو شفة متبرمة أو الإنصراف نحو جهاز يدوي يختصر الكلام ويعبر عن حال من عدم الرضا و الشرود التام الذي يغلب على أجواء اللقاء ويضفي عليه طابع الرسمية والتحفظ من طرفي الزيارة في كثير من الحالات , ومع هذا يشتكي الناس من هذا الواقع دون السعي الجاد لتغييره وهي مشكلة ربما تفسر على أن وقع ألم التقنية على المجتمع كبيراً ومؤثراً في النفوس بشكل واضح ساهم في شرخ جدار الألفة ومزق عرى التواصل , إلا أن الفرصة لم تحن بعد للإغارة على قواعده ونسف جداره الناري ودك حصونه ومتاريسه التي تمكنت من السيطرة التامة على حياة الناس على مدى عقد من الزمن مضى ولربما تكون بداية العودة إلى حظيرة المجتمع وقيمه الأصيلة التي ظهرت بوادرها من خلال(القروبات) التي نشأت عبر برنامج ( الواتس أب) وتشكلت ملامحها وبدأت إرهاصاتها تلوح في الأفق من خلال التنسيق بين أعضاء المجموعة الواحدة من أجل التواصل والإجتماع بمناسبة وبدون مناسبة مما قد يكسر حاجز العزلة المؤلم ويعود بالحياة إلى طبيعتها أو على الأقل العودة إلى مناطق الدفء الإجتماعي .
 0  0  5621