×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

النقد الذي نريده

يبدو أن النقد بمفهومه العام قد أصبح سمة لهذا العصر الذي انفتحت فيه وسائل الاتصال وتنوعت بشكل يفوق الخيال من آلاف المحطات الفضائية ومحطات البث الإذاعي إلى آلاف المنتديات وغرف المحادثة الصوتية والكتابية إلى ملايين الأجهزة المحمولة التي أصبح الواحد منها يجوب بك العالم وأنت ترعى غنمك في غابة مقفرة .
ومايزال الإنسان يملك الكلمة ما دامت حبيسة بين جوانحه وحين تغادره عن طريق لسانه أو قلمه يصبح أسيراً لها تتصرف فيه كيف شاء الله لها أن تكون .
الكلمة في هذا الزمن لم تعد تلك الكلمة التي ربما لا تتجاوز القرية الصغيرة ولا تؤثر إلا في بعض أفرادها لقد أصبحت الكلمة اليوم طائراً يشق عنان السماء ويسبح في أرجاء المعمورة في أجزاء من الدقيقة بل ربما في أجزاء من الثانية و حين تحط رحالها على الأرض تسكن في أذهان شتى منها المتفائل والمتشائم والجابر والشامت والغابط والحاسد كل يستقبلها حسب سجيته وفهمه وتجاربه وربما مصالحه الشخصية وقد تتحول هذه الكلمة في ذهنه إلى سلوك قد يتعداه ويؤثر في المحيطين به بالسلب أو الإيجاب ..
والحقيقة أنني لا أستغرب انتشار النقد في ظل وجود هذه الوسائل الناقلة له بقدر استغرابي لحساسية بعض الناس وخوفهم من النقد ورغبتهم في إسكات من يمارسه بكل ما يجدون من وسائل وإذا كان من نصيحة لهؤلاء فأقول لهم مادمتم تسيرون على المنهج الصحيح أو على الأقل تعتقدون أنكم كذلك فلماذا تخشون النقد ؟لماذا تمقتونه من جهة وتدعون من جهة أخرى إلى الشفافية والحوار وتقويم الأداء الذي لا يمكن أن يقوم إلا على النقد الهادف الصحيح؟
أليس لديكم أقلام تردون بها على من ينتقدكم ؟ ألا تعلمون أن النقد ضرب من الفكر الذي لا يقاومه إلا الفكر على حد قول الشاعر : فداوها بالتي كانت هي الداء .
وقبل أن نخوض في ضوابط النقد وما نريد منه ومالا نريد من وجهة نظري القابلة للصواب والخطأ نريد أن نفرق بين النقد الذي يركز على إبراز السلبيات وتضخيمها وبين المقترحات التي تهدف إلى معالجة الأخطاء القائمة من وجهة نظر الكاتب ووضع الحلول المناسبة لها
ومع هذا كله يظل الكاتب بشراً يصيب ويخطئ ويظهر له أشياء وتخفى عليه أخرى ومن هنا تبرز أهمية الرد على كل ما يطرح في الصحف ومواقع الإنترنت من آراء نقدية حتى لا يظن القارئ أن الحق كل الحق مع الكاتب دون غيره من الأطراف المعنية .
وعلى المتلقي إذا قرأ رأياً نقدياً أن يحرص على متابعة الردود حول هذا الرأي فإذا قرأ للطرفين توازنت لديه الأمور,وأصبح قادراً على تفهم القضية موضوع الطرح من جميع جوانبها
وإذا رجعنا إلى ماضينا المجيد وجدنا فيه نماذج مشرفة للدعوة إلى نقد الذات وتقويم الأخطاء وإسداء النصيحة بالمعروف والكلمة الطيبة فها هو الخليفة الراشد أبو بكرالصديق ــ رضي الله عنه ــ حين ولي الخلافة يقول : (أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على حق فأعينوني ,وإن رأيتموني على باطل فسددوني )
وفي هذا العهد الزاهر الذي يسير على منهج السلف الصالح يقول الشيخ عبدالمحسن العبيكان إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيزــ حفظه الله ــ قد وجهنا أن منهجه هو إظهار الأخطاء ومعالجتها لا محاولة إخفائها ) الوطن عدد 2196
وإذا كانت قيادتنا الرشيدة قد فتحت أبواب الحوار وكفلت حرية التعبير عن الرأي إلا إنه يبقى للحرية حدوداً يجب ألاتتعداها فلا نرفض النقد لذواتنا ولغيرنا لمجرد الحساسية المفرطة منه ولا نفسح المجال له للإساءة إلى شخص معين أو مؤسسة حكومية أو أهلية دون أدلة واضحة صحيحة, ودون وضعه في الإطار الأدبي الذي يجب أن يكون فيه وحين نجد في مؤسساتنا الحكومية أو الأهلية من أوجه القصور ما دعا إلى نقدها فمن المهم أن نستفيد من هذا النقد وألآنجعل من هذا النقد وسيلة للانتقام أو نتعالى على التفاعل مع ما يطرح إما لاعتقادنا أننا أكبر من أن نرد على من ينتقدنا أو لأن ردنا اعتراف ضمني بتقصيرنا أو لأننا كالجمل الذي لا يرى اعوجاج رقبته فما كان في نقدنا من خطأ أو وهم بيناه , وما كان فيه من صواب استفدنا منه وشكرنا من أهداه إلينا ورحم الله الفاروق الذي كان يقول : رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي .
وسواء كان النقد في المنتديات الإلكترونية أو غرف المحادثة أو على صفحات الصحف فإن هناك أنواعاً من النقد لا نريدها لأن ما يترتب عليها من أضرار أكثر مما تجلبه من منافع ومن أمثلتها :
1 ـ لا نريد نقداً يركز على السلبيات والأخطاء ويهمل الإيجابيات والمنجزات والجهود المبذولة في أي قضية يعالجها .
2 ــ لا نريد نقداً يبنى على الأوهام والأكاذيب والشائعات والأخبار التي لا يمكن التحقق من صحتها .
3 ــ لا نريد نقداً يضخم الأخطاء البسيطة ويجعلها عائقاً في طريق الإنجاز والتقدم .
4 ــ لا نريد نقداً يتصادم مع ثوابت المجتمع وقيمه الإسلامية الرفيعة
5 ــ لا نريد نقداً يؤثر في تلاحم هذا المجتمع وتكاتفه وحبه وولائه لقيادته الرشيدة .
إذن ماهو النقد الذي نريده من وجهة نظري ؟
نريد نقداً يجمع ولا يفرق, يبني ولا يهدم, يصلح ولا يخرب, ينبه ولا يجرح, يشجع ولا يحبط وما عداه من أساليب النقد فلا مرحباً ولا أهلاً بها .

عبدالله مرعي الشهري
جامعة الملك خالد ـ أبها ــ
 0  0  7921