×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الدراما والخطاب الديني

ليس مستغربا أن تكون المسلسلات الرمضانية جزءا من حديث المجالس في مجتمعنا.. خاصة تلك التي لا ترضي في معظمها ذوق المشاهد إما لرداءة الدراما والأداء الفني، وإما لسقوط مضمونها وإما لوقوعها في كلا الأمرين.. والأهداف الفنية والإعلامية التي تتضمنها خطط بعض القنوات لا تتجاوز - غالبا - الكسب المادي وإثارة المشاهد بأي طريقة كانت هذا ما يبدو لأول نظرة!
لكن من القنوات من تسعى إلى استنزال عقل المشاهد العربي إلى مستوى متدن يقر فيه بنقد غير منطقي لثقافته التي ينتمي إليها ويمرر تشويه صورة نفسه، خاصة حين تتجه إلى نقد الخطاب الديني أو ما هو أعمق من ذلك مما يتصل بالأسس المعرفية للثقافة، وهي في الوقت نفسه تزعم أن ذلك يصحح مفاهيم اجتماعية خاطئة، وهي إنما تمس الدين بأيد غير مسؤولة وتخوض فيه بعقل لم يستوعب خصوصية التفكر، وأبجديات المنهج.. ذلك أنها تتخذ من التلابس الاجتماعي والديني مدخلا لأهدافها غير المعلنة، إذا علمنا أن المجتمع السعودي هو المستهدف الأول بهذه المسلسلات، وأن هذا المجتمع ثقافته العامة ثقافة إسلامية، وبذلك فإن تلك القنوات تصادم قناعات لدى المجتمع في عمومه وتجعل من أساليب تفكيره مجالا للنبز والسخرية.
إن الإفلاس الفني الذي تعاني منه تلك القناة ويعاني منه الفنان الذي توظفه لأهدافها ليس هو السبب الوحيد في هذا الإنتاج المتردي، فالمتأمل يدرك أن هذه القناة تحقق أهدافا نوعية داخل لحمة المجتمع السعودي، فمن المشاهدين من لا يرد يد قناة تلمس عقله وذوقه، وهو يستهلك من وقته ما كان غيره أولى به في شهر الطاعة والعبادة، مع ما يتبع المشاهدة من أوقات تضيع وراء الحديث والدردشة حول ذلك المسلسل.. فضلا عن الشريحة العريضة التي لم تأبه بالقناة ولم تشاهد المسلسل فيشغلها عن العبادات الرمضانية حوار حول الفن الوهمي الذي أثار المشاهد لا بفنيته ولكن بتطاوله وتجرئه على اقتحام حقوق المجتمع؛ لأن التدين صفة عامة في المجتمع السعودي وإن ادعى بعض من لا علم لهم أن التدين خاص بمظاهر محددة ومختص بفئة معينة، فالحقيقة أن كل أفراد المجتمع - ذكورا وإناثا - هم من أهل الدين.
هذه هي صفة المجتمع المسلم وليس كالمجتمعات الأخرى التي تحصر الدين في أماكن العبادة ثم يقسمون المجتمع إلى رجال الدين ورجال غير دينيين والنساء كذلك، ويكيفون الناس كما يشاؤون هم.
إن المتأمل في حقيقة ما يطرحه مسلسل القصبي وأصحابه هو التعريض بالدين وتعاليمه وفضائله، فالخطاب الذي كُتب به السيناريو خطاب ديني وعباراته دينية امتهنها الكاتب والممثل لتشكيل الحوار وتحريك الأحداث، وهذا الامتهان والتوظيف السيئ هو الموضع الحقيقي لمساءلة الممثلين، إذ الخطاب الشرعي ليس محل التندر والاستهزاء.
الشريحة التي تعجبها هذه التشوهات الفنية يجد أفرادها فيها متسعا لتأويل بعض أفكارهم والتوفيق أو التلفيق بين ما عشش في أذهانهم وتلك المسلسلات حتى ادعوا أنها تعالج ظواهر أساءت للمجتمع كالتطرف والتكفير، وقد غفلوا واستُغفلوا بذلك فإن الاستهزاء بالدين لا يصنع عقولا معتدلة، ولا ينهض بتفكير الشباب ويحميهم من الغلو والتطرف والتكفير.. بل هو أدعى وأقرب إلى أن يحرك الغيرة والحماسة فيهم ليتكون في عقولهم أن عداوة الدين والاستخفاف به إنما تأتينا من بني جلدتنا، ممثلين وإعلاميين ومؤيدين لهم ومعجبين بهم.. فتخلق هذه المسلسلات في داخل المجتمع وفي قلوب الشباب وعقولهم كرها وبغضا لمن مثل وأنتج وشجع وأُعجب، وبدلا من أن نحفظ عقول أبنائنا من تلوث الأفكار بعداوات خارج حدود الوطن؛ فإننا نجعل من عقولهم مخازن لعداوات أنتجت من قبل أبناء الوطن الذين أساؤوا للدين أو أيدوا من يسيء إليه.
نحن لا نريد لشبابنا أن يحملوا في عقولهم عداوة تدفعهم للانجراف خارج الوطن وراء الأفكار القاتلة.. فكيف نرضى أن نغرس في عقولهم أن في أبناء الوطن من يكره الدين ويهزأ به.. فننقسم على أنفسنا ونصطنع في بيوتنا عداوة واختلافا خطيرا كان باعثه الأول المال وحب الشهرة.. ونحن في أمس الحاجة لصناعة عقول تنهض بالوطن وتخدمه، عقول تكون لحمة للنسيج الوطني وتسهم في رخائه واستقراره على منهجه الذي حُفظ به الأمن واستقر به معاش الناس منذ قرن من الزمان.
إن مما تسعى إليه هذه السقطة الإعلامية والمسلسل الرديء أن تستفز المجتمع باجتلاب أفكار ليست منه حقيقة ثم تلصقها به وتصورها على أنها نتاج ثقافة المجتمع السعودي وترصد نقاط العلاقة بين جيلين لتصنع فجوة بين من حملت عقولهم ثقافة حفظت الوطن لعقود مضت، وجيل يُرجى أن يحفظ للوطن تلك الوشائج الوثيقة ويسير على منهج صحيح في الولاء لوطنه وثقافته الإسلامية الصحيحة.
إن تلك المشاهد الدرامية الفجة تهدف أيضا إلى إثارة ردود فعل متباينة لتنتقي منها ما يحقق أهدافها، فتبحث عن زلة أو تصطنع موقفا يصدر عن معترض لإنتاجه أو تفوز بمقطع يعجب الأعداء المتربصين.!

د.ظافر العمري
جامعة أم القرى بمكة المكرمة
 0  0  1001