×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

كيف تصنع رأيك.. الرأي الثالث؟

صناعة الرأي والمنهج الخاص في تحليل القضايا والحوارات وحلول المشكلات مهارة وموهبة يمتلكهما قليل من الناس. وكثيرون منّا يخلطون بين امتلاك الرأي وكيفيّة تكوينه. ونتيجة لموروثات ثقافيّة وصراع التوازن المجتمعي وانقسام بعض النخب إلى تيارات فكرية متصارعة بات لدى معظم الاتباع من الناس رأي معلّب جاهز في كثير من القضايا. وحينما يحتدم النقاش في موضوع ما ترى واحدهم وهو يقذف مخالفيه برأيه المعلب دون النظر في تاريخ صلاحيته الزمانيّة والمكانيّة ناهيك عن تجاوزه لفضيلة مراجعة مصادر تكوين هذا الرأي واعتبار مآلاته.

على سبيل المثال تجد أن بعض الناس لديه رأي محدّد في القضايا "الجدليّة" بنعم أو لا. وحين تطلب منه شرح وجهة نظره المؤيدة أو الممانعة لترى كيف اقتنع بهذا الرأي تكتشف أنّه إمّا أن يعزوه لغيره أو لسوابق فكريّة وخبرات متكرّرة في ذات الموضوع.

والأعجب أن تجد فئة من الناس لا تمتلك القدرة على التمتع بحرّية صناعة الرأي المستقل بعد سماع الحجج وتقليب النتائج والآثار المطروحة أمامه. بل إن بعض هؤلاء يكتفون في طرح الآراء بالالتزام برأي وتوجّه التيّار الفكري الذي يعتنقونه بعد أن امتلك وحبس "الالتزام الإجباري" أفكارها في قوالب جامدة وجاهزة. ولذلك لا تستغرب وأنت ترى مثل هذه العقول الكبرى تتعطّل وتعمل "بميكانيكيّة" أقرب إلى مهمة موظف "توصيل الطلبات" الفكريّة بين مطبخ التيار ومن يطلب رأيه من الزبائن.

وفي صناعة الرأي السياسي والفكري على سبيل المثال تأتي إشكاليّة كبرى حين يفتقد صاحب الرأي "ضمير الفرد" المستقل في التفكير و"مصلحة المجتمع" العليا عند إعلان وطرح الرأي. والمراد بضمير الفرد المستقل هنا هو في قدرة الفرد (صاحب الرأي) على التفكير والتحليل الحر لتكوين الفكرة ومن ثم توظيف مهاراته لاستحضار مصلحة المجتمع في إعلان رأيه ورؤيته. وفي أحيان كثيرة قد تأتي مصلحة المجتمع الكليّة على غير ما يطالب به صوت الضجيج في "الشارع". وهنا يأتي الامتحان الأكبر لصاحب الرأي بين إغراءات التهليل والتصفيق الجماهيريّة التي تطالبه بما "ترغب " وبين صوت العقل الذي يلح عليه أن يعطي هذه الجموع "ما تحتاج" لا "ما تشتهي".

وحتى نصنع الرأي الناضج ربما تأتي هنا أهميّة ابتكار الرأي الثالث. والرأي الثالث ليس شرطا أن يكون هو الرأي النهائي بل هو مفتاح مقدمة "نقديّة" مهمّة لتقليب الرأي في القضايا "الجدليّة" بعيدا عن حتميّة "قوالب "مع" أو "ضد" وفق مرتكزات تسمح بتمحيص حجج المعارضين والمؤيدين ومن ثم تكوين فكرة ما. والقاعدة الفكريّة الإنجليزية تقول "Know and confront your biases" تعرّف على التحيزّات التي تعتنقها وتحدّها.

ويمكن أن يأتي مشروع الرأي الثالث من سؤال: ماذا لو كانت حجج الفريقين انتصارا للضجيج فقط؟ وحين تضع مبادئ الرأي الثالث بين الرأيين وتسحب من حجج الفريقين المتضادّين ما يقوّي أو يضعّف حجّتك ستجد نفسك في الأمور الحاسمة قد وصلت إلى الرأي الذي يدعمه "صوت" العقل والضمير حتى وإن كنت من مخالفيه قبل التحليل والتمحيص.

* مسارات..

قال ومضى: نحب من يرسم لنا صورتنا ولكننا لا نحب صورتنا في المرآة .. والسبب أنّها لا تزوّر الواقع.

لمراسلة الكاتب: falshehri@alriyadh.net
 0  0  1061