×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

مشكلة اللغة العربية


مشكلة اللغة العربية


لكل أمة من أمم الأرض شخصية متفردة وهوية خاصة تعتز بها , وتنتمي إليها , وتدافع عنها , ولعل من أهم الملامح التي تميز أمتنا العربية والإسلامية وتحدد هويتها اللغة العربية , هذه اللغة التي اختارها الباري عز وجل من بين اللغات الكثيرة المنتشرة في زمنها لتكون لغة كلامه ورسالته الخاتمة إلى الناس أجمعين على الرغم من اختلاف ألسنتهم وأديانهم وثقافاتهم وبلدانهم.
وفي اعتقادي لو أن لغة من لغات الأرض نالت هذا الشرف العظيم لتفانى أهلها في حفظها ونشرها والدفاع عنها ولعملوا كل ما يستطيعون من أجل أن تكون لغة العلم والحضارة والدين والسياسة والاقتصاد!
والحقيقة أن اللغة العربية في وقتنا الحاضر تعاني من تحديات كبيرة وتعيش مشكلات متعددة لعل من أهمها ثقتنا المهزوزة بها وضعف انتمائنا لها , وعدم اعتزازنا بها بالشكل الذي يتناسب ومكانتها الكبرى ومقامها الرفيع ودرجتها العالية وتاريخها العريق ؛ وهذه الثقة المهزوزة من وجهة نظري جزء من الهزيمة النفسية والثقافية التي تعاني منها العقلية العربية نتيجة الانبهار بما لدى الآخر من منجزات حضارية وثقافية , وطغيان المد الثقافي الغربي نتيجة ثورة الاتصالات , وتقنية المعلومات , والقنوات الفضائية , وسهولة السفر, والتنقل بين بلدان الأرض , وضعف أنظمة التعليم والاقتصاد في الدول العربية الأمر الذي حمل الكثير من أبناء العرب إلى الهجرة إلى الدول الغربية إما للدراسة , أو طلب الرزق وتحقيق بعض طموحاتهم في حياة أفضل.
ومن مظاهر هذه الهزيمة النفسية وضعف الانتماء ما يفعله بعض المثقفين العرب عند حديثهم لوسائل الإعلام ممن يجيدون اللغة الإنجليزية من الخلط بين العربية والإنجليزية في كلامهم فتراه يسوق ثلاث كلمات باللغة العربية والرابعة باللغة الإنجليزية في محاولة للظهور بمظهر الإنسان المتحضر ؛ وكأن الحديث بغير العربية علامة بارزة ودليل على الثقافة الواسعة ومعرفة ألفاظ ومصطلحات جديدة لم تتسع لها لغة القرآن الكريم.
ومن مظاهر هذه الهزيمة النفسية ما نفعله في مطاراتنا ومطاعمنا ومستشفياتنا وشركاتنا من محاولة الحديث مع غير العرب ممن وفدوا إلى بلادنا باللغة الإنجليزية , أو الحديث معهم بلغة عربية مكسرة كما تعودنا ان نسمع منهم دون أن نحملهم على الحديث معنا على الأقل بلهجاتنا الدراجة وهي لغة عربية أصيلة ولكنها انحرفت قليلاعن الأصل لضرورة التسهيل , وكثرة الاستخدام , وطول البعد الزمني عن اللغة الأم , وعوامل أخرى قد يطول الحديث عنها في هذه المقالة الموجزة.
ومن مظاهر هذه الهزيمة النفسية ما نراه في شوارعنا ومحلاتنا التجارية ومنتجاتنا الصناعية من أسماء لا تمت إلى اللغة العربية بصلة(مول , سنتر , بوينت ... والقائمة تطول) ليس هذا فحسب بل وصل الأمر إلى بيوتنا وأصبحنا نسمي أبناءنا وبناتنا بأسماء لا نعرف أصلها ولا مصدرها , ولا اللغة ولا الثقافة التي وفدت إلينا منها.
ومن مظاهر هذه الهزيمة النفسية أن لغة الدراسة في معظم التخصصات العلمية عندنا مثل: الطب والهندسة ولغة المال والأعمال هي اللغة الإنجليزية حتى في مواد بسيطة وثابتة كان يمكن تدريسها باللغة العربية مع أن الترجمة من اللغات الأخرى أصبحت من السهولة بمكان بل إنه يترجم إلى المكتبة العربية اليوم مئات وربما آلاف الكتب يوميا وتلك حسنة يجب الاستفادة منها والتنبيه عليها ودعمها وتشجيعها.
ومن مظاهر هذه الهزيمة النفسية استهزاؤنا بمن يتحدث باللغة العربية الفصحى إما من أبنائها الأصليين أو ممن وفدوا إلينا وتعلموها في بلدانهم أو في جامعاتنا على أصولها وأتقنوها أكثر من أهلها كما لو كانوا في زمن عصور العرب الفصحاء.
ومن مظاهر هذه الهزيمة النفسية انتشار القنوات العامية والشعبية بل والقنوات التي تتحدث بلهجات بلدانها وما يمكن أن تحدثه هذه القنوات من ترسيخ للذائقة العامية ومزاحمة للغة القياسية وتطبيع لاستخدامها حتى في معاقل العلم كالمدارس والجامعات ومؤسسات التدريب والتأهيل والمهرجات السياحية والمؤتمرات واللقاءات العامة.
رحم الله حافظ إبراهيم فقد نسج قبل ما يقرب من قرن من الزمان يائيته الشهيرة عن اللغة الربية في زمن كانت التحديات أقل مما هي عليه اليوم ؛ فليتك معنا يا حافظ لترى ما فعل الناس بلغتهم بعدك , وليتنا نعود إلى المنهل العذب الصافي الذي حفظ لهذه اللغة كيانها , وضمن لها بقاءها واستمرارها على الرغم من كل هذه التحديات.

بقلم / أ.عبدالله مرعي الشهري.
 0  0  6266