أمريكا من صناعة الضالين الى حرب المغضوب عليهم!!
أمريكا من صناعة الضالين الى حرب المغضوب عليهم!!
دعونا نعود الى الوراء حين يكون الحديث عن قضية الارهاب.. لنجد ان الحملة الأمريكية التي بدأت ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان كانت قد ركزت على استنهاض العرب والمسلمين للحرب بالنيابة ضد الدب الروسي الذي كانت واشنطن ترى انه دخل على خط منطقة تقع على خارطتها السياسية التي قد تمتد الى باكستان. وذلك في الوقت الذي كان الاتحاد السوفييتي السابق يشكل عقبة كبرى من موقعه كقوة ثانية في العالم. تمتلك قدرة عسكرية من ابرزها الصواريخ الاستراتيجية بعيدة المدى تحمل رؤوساً نووية معروفة باسم ستارت (1) وستارت (2). وهي منظومة تستطيع أن تضرب في عمق الأراضي الأمريكية. وفي الوقت نفسه ادرك الأمريكيون ان أية مواجهة مع موسكو في تلك المرحلة سوف تؤدي الى حرب عالمية ثالثة.
لذا كان خيار أو بالأصح «بطيخ» استدعاء الاسلام السياسي لمواجهة الروس هو الحل!!
على ان يبقى الجانب الامريكي داعماً لوجستياً. غير ان ولاء قادة المحاربين لمصدر القوة الداعمة لم يكن دون عربون الوعد الأمريكي المؤجل لقيادات الحرب بالوكالة. والذين كانوا من مختلف الجنسيات العربية وبعض الاسلامية دون اكتراث من دولهم التي كانت بعضها تستجيب لنجدتها خوفاً أن تصيبها دعوة ضد كل ممسك تلفاً!
وبعد رحيل القوة الروسية من افغانستان. وشنق الرئيس الشيوعي واعدامه في كابل محمد نجيب الله عام 1992م. بدأت القاعدة تتحرك سياسياً نحو القرار الامريكي لمشروع انطلاق دولة اسلامية ذات خارطة تمتد في اسيا وافريقيا. وهو ما لم توافق عليه واشنطن.. وكان ذلك الرفض بمثابة ضربة قوية لقيادات المنظمة ومنظومة المجاهدين بالوكالة. واعتبروه خذلاناً وخديعة لوعود كاذبة وقعوا في فخها حين اطاحت المخابرات الأمريكية بكل أحلامهم.. وامالهم. لقاء مهمة لم يقبضوا ثمنها السياسي الموعود.
ومن ثم قررت القاعدة ان تقلب الطاولة بحثاً عن الانتقام من الأمريكيين. ولم يكن أمامها سوى اعادة المحاربين الى مناطق متعددة داخل وخارج بلدانهم وذلك لشن حملات ارهابية ضد المصالح الامريكية. وبعض البلدان المنتخبة في المنطقة العربية. وهي جميعها كانت رسائل الى واشنطن.. ليصل حرب القاعدة على اصدقاء الأمس الى مركز التجارة العالمي في نيويورك من خلال عملية الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م وكان عملاً أكسب المنظمة وهج الانتصار خاصة أمام الذين يدينون لامريكا بالكراهية داخل وخارج القاعدة.. الأمر الذي اكسبها زبائن جدداً في المنطقة. فكانت حالة جمعت بين الضالين والمغضوب عليهم.
لكن عند تلك المرحلة ما الذي حصل لتغذية الارهاب؟ وللاجابة عن السؤال: لابد أن نأخذ في الاعتبار حجم المخاوف من ردود الفعل عند مؤسسات ومرجعيات الدعوة الاسلامية حيث التزمت الصمت عن مهامها في الوعظ والارشاد والتوعية بالعقيدة الاسلامية الصحيحة. واصبح لدى عناصرها رغم اعتدالهم هاجس التهمة ان يتم احتساب نشاطاتهم على خطاب الارهاب رغم بعده عن المنهج. على ان مخاوف هذه الشكوك تلاحقهم حتى داخل بلدانهم.. وهو الأمر الذي اعطى لدعاة التطرف فرصة اشغال المكان واستغلال الفراغ في تجييش الارهاب من خلال استقطاب الشباب بالندوات وحلقات تحفيط القرآن وتشكيل خلايا من القائمين على هذه المهمة من مختلف الجنسيات العربية والاسلامية. في الوقت الذي وجدت دعماً تحت عناوين متعددة تجاوب معها من يعلمون.. ومن لا يعلمون بتفاصيل الأمور وانعكاسات ويلات الثبور!! ومع مرور الوقت واستمرار الفراغ في تصحيح مسار الدعوة توسعت دائرة المنظومات الارهابية.. في قناعات متعددة تقاسم المنهج واختلفت مع بعضها في مخرجات تنفيذه. لتأتي الثورات العربية كفرصة لانفلات الأمن والدخول على خطوط الصراع بخطاب الاسلام السياسي. وهنا يقف الامريكيون امام المشهد وخيارات ما بين الدعم الخفي والتريث لما يمكن ان تأتي به الريح لحليف جديد قد يأتي.. وقد لا يأتي بعد أن استطاع نقل المعركة من شوارع امريكا ومصالحها الى الحرب «البينية» في الشرق الاوسط. وهو ما وعد به جورج بوش الابن في اعلانه من البيت الابيض عندما راهن على تنفيذ مهمة التغيير لمسرح الارهاب. غير ان هذا التغيير الذي تم بالفعل خلال المرحلة الراهنة كشف ان الاستقطاب قد شمل محاربين في صفوف داعش. والنصرة الموالية للقاعدة. اضافة الى جنسيات اوروبية متعددة. سوف لن تتوقف مستقبلاً عند الخارطة العربية. وعند ذلك لم يكن أمام واشنطن وحلفائها. الا التخلي عن فترة انتظار المرحلة القادمة والاطاحة بكل الاستراتيجية التي كانت قد أقنعت بها المخابرات الامريكية صناع القرار داخل البيت الابيض الذي لم يكن أمامه سوى التوقف عن ترقب موعد تفقيس البيض الأبيض!! بالانتاج الأسود!! لكن السؤال الاكثر صعوبة. هل تحسم الضربات الجوية مهمة القضاء على الارهاب دون قوة برية. وما هو حجم الضحايا من المدنيين الذين هم دروع بشرية معتقلة داخل الاحياء في سوريا والعراق.
ثم هل تشمل الحرب على الارهاب مناطق اخرى في اليمن وليبيا وتونس وصولاً الى بوكو حرام في افريقيا السوداء. وما هو حجم النفقات . ومن الذي سيدفع والى متى؟ وتتمدد دوائر السؤال. كما تمدد الارهاب لمن حاربوا بالنيابة يوماً.. وارضعتهم واشنطن لتفريخ ما كان اسوأ. في مرحلة يستمر فيها على الخط المغاير صمت الخائفين. والمتخاذلين.. وخلطة الدعم والمزايدات من خلف الأقنعة السوداء. وسط ساحة مفتوحة على كل الاحتمالات الأكثر سوءاً!!
أ.ناصر الشهري
البلاد