×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

أوطان في سوق النخاسة

أوطان في سوق النخاسة

بقلم الأستاذ/ ظافر الجبيري

لم يكن الإسلام على مفترق طرق حادة ومتشظية كما هو عليه اليوم، وليس الإسلام المقصود هو الدين أو الملة أو القيم والتشريعات، بل المقصود هنا مكانة الإسلام صورةً وحاضراً وقدرة على حل المشكلات التي تعصف بأهله وأوطانه وأوطانهم.

ربما يتجه الذهن إلى ما وصلت إليه الحال في بعض البلدان العربية من شهية عالية للقتل، والولوغ في الدماء، والتشفي بالضحايا، وتوجيه رسائل الاستعداء للإسلام شرقاً وغرباً، قد يتجه الذهن إلى سورية، حيث قاربت أعداد القتلى على المئتي ألف أو يزيدون، فضلاً عن الأسرى والجرحى والدمار، قد يتوقع القارئ أن الحديث متجهٌ صوب ليبيا التي غيّرت جلدها بمعونة خارجية مباشرة وصارخة، وظن الجميع أن الحال انتهت، وأن السواعد ستنطلق تبني الإنسان والوطن، وتوجه الطاقات نحو التنمية، وتسيِّر العقول إلى اجتراح نظام توافقي يتجه بالبلد نحو المستقبل، فإذا التيار الذي سقط في أكثر من بلد يستيقظ ليقول: "ليبيا ليست ديمقراطية، وليست توافقية، وليست بعيدة عن الاصطفاف وراء فكرة الأخوة في الأيديولوجيا والمذهب وليذهب البلد كل مذهب"، ولا يظن أحد أن حال غزة هي المعنية تحديداً، فلربما يتصارع العرب غداً حول: هل ما يجري ضد أهلها يؤثر في الإسلام والمسلمين أم أنها مشكلة بسيطة بساطة مساحة الأرض التي يقيم عليها نحو مليوني نسمة، وتتمتع بأعلى النسب العالمية في النموّ السكاني، والبطالة، وشح المياه، والأدوية، ومواد البناء مع توالي الحروب وانسداد سبل الحياة الكريمة لسكانها؟

ليست غزة فقط، ولا ليبيا فقط، ولا مصر، ولا سورية، ولا العراق، ولا الدولة الخلافية "من الخلاف"، ولا اليمن، ولا أفغانستان أو باكستان، ولا غيرها.

المشكلة ليست في الإسلام كدين، تبدو المشكلة في المسلمين وبلدانهم وأنواع الحكم أو اللا حكم التي تقبلوها مكرهين، ويسعون إلى تغييرها بقوة الحق أو قوة الدماء أو بصدور عارية.

التمزق الذي تعيشه الأوطان العربية بفعل الثورات، والثورات المضادة، والقتل الممنهج، والطائفيات البغيضة القائمة على المحاصصة المعطِّلة أو الفوضى الخلاقة المستولِدة لكل الكوارث.

في عديد من البلدان المتقدمة يظهر التنوع العرقي والتعدد الإثني كعامل قوة وعطاء وتقارب، وحتى لو ظهر خلاف فإن الانفصال الهادئ هو الغالب دون أن يقفز طرفٌ على طرف أضعف أو أقرب مكاناً وأسهل عليه اعتداء، فيأسر الرجال ويسترقّ النساء ويبيع "الغلمان والفتيات" في سوق النخاسة!

بلدان عربية كثيرة تنطوي على مشكلات عميقة في التوافق على طريقة الحكم مع عجز الأنظمة الحاكمة والنخب الفاعلة عن وضع حلول، وجعل الوطن قيمة عليا، وترك الارتهان إلى الطائفة أو الولاءات الداخلية الضيقة والخارجية وصولاً إلى جعل الإنسان حراً كريماً مستشعراً ومتلمّساً العدالة الاجتماعية.

لماذا الإسلام على مفترق طرق؟ ولماذا هذه الأيام فقط مع أن مشكلات اليوم ليست وليدة اليوم؟ ألم يتعرض الإسلام لغزوات وغزوات من أعدائه على مر التاريخ وصمد ونهض بل لقد استوعب بعض الغزاة واحتواهم بقدراته الهاضمة، وحولهم من غزاة إلى فاتحين جدد وناشرين لقيمه وبُناة لحضارته في مناطق جديدة من العالم؟

لماذا الإسلام على مفترق طرق، واليوم تحديداً؟ وهو الذي صمد سابقاً في وجه التتار والصليبيين وحركات الاستعمار، فلماذا لا يصمد اليوم وينهض ويعيد ترتيب أوضاعه.

لا بد من القول إن الظروف ليست كالظروف، وإسلام اليوم ليس كإسلام الأمس، مع أن الإسلام هو نفسه، لكننا نعني المسلمين، وأوطانهم، وأنماط حكمهم، وكرامة مواطنيهم، والأهم هو صورة الإسلام أمام غير المسلمين

الإسلام الحضاري، الإسلام بين الأديان في عالم اليوم، الإسلام وما يمثله لأبنائه المسلمين، والإسلام وكيف نقدمه لغير المسلمين.

هل تصلح "داعش"، و"النصرة"، و"القاعدة" لإعطاء صورة ناصعة عن الإسلام؟ وهل أتيحت الفرصة لـ"الإسلام المعتدل" ليقدم نفسه؟ وهل هو قادر "بجهود أبنائه ومفكريه" على تقديم صورة مشرقة تقوم على إعلاء كرامة الإنسان وسط الثورات والتحولات والاستقطابات والاعتصامات، واجتياح الأوطان من قوى خارجية، وإزاحة الحدود "الوثنية" من بين الدول؟

هل يمكن للإسلام فكراً، وحضارة، وإنساناً، وأوطاناً، ونظام حكم أن ينهض من جديد من بين الركام الحسي والمعنوي الذي يعيشه أبناؤه في أكثر من بقعة عربية؟

هل يكفي الأمل جواباً وانتظار زمن قادم؟

المقال منشور في صحيفة المدائن
 0  0  1473