×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

المشكلات الأسرية: الأسباب والحلول


المشكلات الأسرية: الأسباب والحلول



الأسرة المكونة من زوج وزوجة وأبناء غالباً ما تعيش في مراحل تكوينها الأولى حياة سعيدة تسود فيها الألفة والمحبة بين الوالدين والأبناء وبين الإخوة بحكم غريزة الحب التي أودعها الله في قلوبهم وبحكم الحياة المستقلة التي ينعمون بها وخاصة حين تعيش الأسرة في منزل مستقل لا يشاركهم فيه أحد من أقارب الزوج أو الزوجة.
وغالباً ما تبدأ الخلافات الأسرية حين تزيد الهوة وتبتعد المسافة الروحية والنفسية بين الزوج والزوجة لأي سبب من الأسباب فيقررالزوج حينها الزواج مما يؤثر على علاقته بأبنائه من الزوجة الأولى وبالتالي يؤثر - فيما بعد - على العلاقة بين الإخوة من الأب غير الأشقاء والتي قد تعمل الزوجتان بقصد أو بدون قصد على تدميرها وتشويهها.
ولو افترضنا أن العلاقة ما بين الزوجين بقيت سليمة من المنغصات واستمر هذا الزواج والحب حتى كبر الأبناء فإن العلاقات الأسرية ستبقى قوية متينة حتى يحدث الذي لا بد منه في تاريخ كل أسرة وهو زواج الأبناء وخاصة حين يعتقد الابن أن حياته وعلاقته بأسرته بعد الزواج ستبقى كما كانت قبله , وأنه باستطاعته أن يحضر هذا الشخص الغريب إلى الأسرة وتسير الحياة كما لو كانت إحدى اخواته فيقرر الإقامة مع أسرته الأولى (الوالدين والإخوة والأخوات) وهنا تبدأ المشكلات الأسرية إما بين زوجته وأخواته أو بينها وبين والدته تدفها الغيرة والمنافسة وحب الملكية والخلافات على أعمال المنزل والطلعة والسوق والضيوف والنفقة وغيرها من الأسباب.
ولو افترضنا أيضاً أن الأسرة من الحصافة والرصانة والحكمة وربما الطيبة استطاعت أن تتجاوز هذه المرحلة فإن الأسرة ستكون قريباً على موعد مع سبب آخر للخلافات الأسرية وخاصة بين الإخوة حين يتزوجون وينجبون وهي الخلافات التي تحدث بشكل طبيعي ودائم بين الأطفال والمشاكسات التي قد لا تتوقف على مستوى الأطفال وإنما قد تتسع لتشمل الكبار حين يحاول كل طرف أن ينتصر لأطفاله من أطفال الطرف الآخر ولو وصل الأمر به إلى استخدام القوة.
وحين تتولى الزوجات القوامة على الرجال ويكون القرار بأيديهن في كل صغيرة وكبيرة فقد تنعكس الخلافات الطبيعية التي تحصل بينهن على علاقات الإخوة أنفسهم عن طريق نقل الكلام والنميمة بين الإخوة وتشويه السمعة بقصد الانتقام وإجراء المقارنات التي لا تراعي الفروق الفردية التي أودعها الخالق عز وجل في البشر حتى يخدم بعضهم بعضاً وتستمر مسيرة الحياة.
أما قاصمة الظهر في العلاقات بين الإخوة فتنشأ غالباً بعد رحيل الوالد حين يقرر الورثة اقتسام التركة وخاصة حين تكون العلاقات بين الإخوة من قبل متوترة لسبب من الأسباب السابقة أو لأسباب قديمة تعود إلى طبيعة العلاقة القائمة على التنافس غير المحمود بين الإخوة في زمن الطفولة أو بسبب الفروق الخلقية أو العقلية والنفسية بينهم أو بسبب سوء التربية على أنه يجب أن نؤمن أن التحاسد بين الإخوة طبيعة بشرية منذ عهد آدم عليه السلام (فطوعت له نفسه قتل أخيه) إلى عهد يوسف عليه السلام (قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا...) إلى يومنا هذا وسيستمر ما دامت الحياة.
ولكي تعيش الأسر حياة سعيدة سليمة من المشكلات والخلافات التي قد تنشأ بسبب مرورها بالمراحل الآنفة الذكر فإنه ينبغي على الأسر أن تعتني بما يلي:
أولاً: تربية الأبناء بالحب وذلك بتغليب ثقافة الحب في التربية على أي وسيلة , وتنشئة الأبناء على حب بعضهم البعض , وإظهار ثقافة الحب بين الزوجين أمام الأبناء في حدود الأدب ؛ ذلك أن التربية بالحب من أقوى وسائل التأثير.
ثانياً: العدل بين الأبناء وخاصة في مراحل التنشئة الأولى , وعدم تمييز طفل على آخر , وتجنب المقارنة البغيضة التي قد تدمر العلاقة بين الأبناء وتقتلها في مهدها , والأدلة على عناية الإسلام بالعدل بين الأبناء معروفة ومشهورة.
ثالثاً: احتواء الخلافات الأسرية بين الزوجين , وتجنب إظهارها أمام الأبناء بقدر المستطاع , وعدم اللجوء إلى الزواج الثاني إلا للضرورة القصوى فضلاً عن اللجوء إلى تفكيك الأسرة بالطلاق والتشتت وربما المداعاة في الشرط والمحاكم.
رابعاً: أن يسكن كل ابن وزوجته في منزل مستقل بهما , ويفضل أن يكون بعيداً بعداً يسيراً عن منزل الأسرة الأول بحيث يستطيعان ممارسة حياتهما الطبيعية دون تدخل الوالدين أو الاحتكاك بالإخوة والأخوات بشكل دائم , وهذا يخفف الرقابة واللوم من قبل الوالدين والإخوة والأخوات على الأسرة الجديدة التي قد تنقصها الخبرة وحسن التصرف , ويوفر لها نوعاً من الحرية والاستقلالية التي تعيش في ظلها حياة سعيدة... على أنه لا بد من لقاء أسبوعي ودعوات متبادلة وخاصة إذا كانوا يسكنون في مدينة واحدة حتى لا تشعر الأسرة الأولى أن الزوجة قد خطفت ابنها منها , وفصلته عن أسرته التي نشأ وترعرع في رعايتها.
خامساً: على كل زوج أن يخبر زوجته في أول زواجهما أن والده ووالدته خط أحمر لا يسمح لها بتجاوزه , ولا التعدي عليه , وأن طاعتهما من طاعته , وأنه لن يتهاون في ذلك لأي سبب من الأسباب. إضافة إلى تعريفها بطبيعة التعامل مع بقية الأسرة وخاصة الأخوات , وأن تعود إليه حين تظهر أي مشكلة ليقوم بحلها في حينها قبل أن تتفاقم وتصل إلى الوالدين , ويحدث بينهما ما لا يحمد عقباه.
سادساً: ينبغي على الوالد في حياته أن يتجنب - بقدر ما يستطيع - أخذ أي مبالغ مالية من الأبناء الكبار لبناء منزل أو شراء عقارات أو إنشاء مشروع تجاري , وأن يطلع زوجته وأبناءه على جميع معاملاته وممتلكاته وماله من ديون وما عليه من التزامات على الآخرين , وألا يخص أحد أبنائه بشيء في حياته ويدع الآخرين وهذا - بإذن الله - يسهم في عدم نشوب الخلافات المعتادة التي تنشأ بين الورثة على التركة , وإذا اضطر إلى تقسيم التركة في حياته فعليه أن يجمع جميع الورثة ويقسم بينهم بالعدل أو بالطريقة التي يختارونها ويرضون بها , وإذا لم يتوصلوا إلى طريقة ترضي الجميع فيدعها للمحكمة لتقسم بينهم بعد وفاته وفق شريعة الله.
سابعاً: ينبغي على الأسر أن تجعل الحوار الهادئ المبني على الحجج والبراهين منهجاً لها في حل أي مشكلة قد تظهر , وأن تتيح الفرص الكافية وتوفر الأجواء المناسبة لنجاح هذا الحوار , وأن تسمح لجميع الأطراف بالمشاركة وإبداء وجهة النظر ذلك أن الحوار العاقل هو أفضل وسيلة لحل المشكلات الأسرية ؛ لأنه يتيح لكل فرد في الأسرة أن يقول ما في نفسه , وأن يبدي وجهة نظره , وأن يدافع عن أفكاره , ويصحح ما قد ينقل عنه من معلومات قد تكون غير دقيقة.
وأخيراً: فإن العلاقة بين الإخوة والأخوات ينبغي أن تسمو على أي خلاف من أجل مكسب دنيوي , وأن تبنى على اعتبار الأخ الأكبر أباً والأصغر ابناً وحين تبنى على هذه الاعتبارات فإن الأكبر لن يحاسب من في مرتبة الابن على ما أسداه إليه من جميل وما عمل فيه من معروف ولن يمن على إخوته أنه وقف مع الوالد وضحى وأعطى وفعل كذا وكذا , كما أن الأصغر لن يحاسب الأكبر أيضاً على أنه أخذ أفضل منه أو حظي بدعم والده له ومساعدته له في حياته , وينبغي على الإخوة والأخوات المبادرة إلى اقتسام التركة في حياتهم بحيث يعرف كل طرف حقه ولا يترك لأبنائه مع أعمامهم شيئاً عاماً أو مشتركا قد يندس الشيطان في تفاصيله فيكيد لهم , ويفسد ما بينهم من روابط , ويقطع ما بينهم من صلات الدين والرحم والتاريخ الجميل.


بقلم : الأستاذ عبدالله مرعي الشهري- تنومة
 0  0  7360