×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

مجموعة شهرزاد


مجموعة شهرزاد


"ألف ليلة وليلة" سلسلة أدبية كان لها أثرها القوي في تكوين الصورة الزائفة للمجتمع الإسلامي خلال مدة ليست بالقصيرة من عمر الزمان، فكانت بأساطيرها ورواياتها الباطلة بمثابة الناقل الرسمي للثقافة العربية في تلك الفترة، وقدمت مجالس اللهو والطرب والمجون على أنها الصورة الحقيقية للمجتمع الإسلامي، وعلى رغم تجردها من الحقيقة وإمتهان ورفض العلماء والمؤرخين لها، فقد ذاع صيتها وطارت شهرتها حتى أعيدت طباعتها وترجمت الى عدة لغات أجنبية وصارت تحمل عنوان "Arabian nights" "ليال عربية"، وأمعن الغرب كثيرا في تحليلها واعتمدوا عليها - بقصد أو بدون قصد - في إثباتاتهم وكتاباتهم، وتشكلت بها صور السحر واللهو والترف لدى كثير من المجتمعات الغربية والشرقية، بينما تكشف نظرة خاطفة لهذه السلسلة أنها لاتمثل بحال صورة المجتمع المسلم، بل إنه على إختلاف المؤرخين في أصلها فليس أدل على عدم عروبتها من أسماء شخصياتها.
واليوم تأتي "مجموعة" من قنواتنا الفضائية لتكمل صناعة حلقات سلسلة الكذب والتشويه، وتتابع حرفة الإفتراء والتزييف بما تبثه عبر أثيرها ليلاً ونهاراً، وعلى الرغم من وجود العديد من القواسم المشتركة بين الإثنتين، إلا انه ومن باب الإنصاف القول بأن شهرزاد لم تصور لنا الأفعال المحرمة في صورة بريئة، ولم تصور لنا الغدر والخيانة الزوجية على انها واقع مجتمع لا يقبل النقاش، ولم تقدم شخصيات عرفت بالبذاءة والهمجية على انهم مصلحين اجتماعيين، ولم تسرد لنا وبدون حياء أو خجل تفاصيل حياة زوجين حتى تصل لحدود القذارة، ولم تتبنى رموز إبراز المفاتن والفن الجسدي الرخيص، بل إن الحكواتية شهرزاد اكتفت بما حوت في جوفها من سم زعاف، بينما مجموعتنا تتهافت إلى ترجمة واستنساخ كل ماهو مشين من أعمال درامية هابطة، وأفكار مستهلكة، والترويج لها، وكأننا بحاجة إلى مزيد، وحينما يأتي الصباح تسكت شهرزاد عن الكلام، ولكن مجموعتنا وتحت وطأة تحديات التوسع لا تستطيع السكوت.
تتزاحم الاسئلة الناتجة عن حالة الذهول أمام مايشاهد في هذه القنوات، والسؤال الأهم هو من يقف وراء تلك المهازل؟ وماهي الرسالة المراد إيصالها منها؟ ولماذا هذه السذاجة التي يصور عليها الانسان الخليجي والتي تثير الاشمئزاز والسخرية؟ ولماذا هذه الأعمال الدرامية الشاذة والمستفزة؟ وهل هذا هو مستوى النظرة التي ينظر بها الينا من يقف وراء كواليس تلك القنوات؟ ومن أعطى لهم كل هذه الجرأة لتصوير مجتمعنا بهذه الصورة ويضع التفاهة عنواناً لسلوكنا ونمطاً عادياً لحياتنا؟ ثم ألا يدرك أصحاب القرار فيها أن المغالطات التاريخة التي ترويها الحبكة الدرامية تستطيع تحريف تاريخ قرون من الزمان وبإمكانها إيصال رسائل تعجز مئات الكتب عن إيصالها بنفس القوة؟
الاعلام بحاجة للجرأة ولكن ليس إلى الوقاحة، ومن أهداف الإعلام الترفية ولكن ليس السخافة، والفرق كبير بين الحرية الإعلامية وبين الفوضى الإعلامية، وفيما يبدو أنه لافائدة من انتظار ان يتحلى القائمون على هذه القنوات بالمسؤلية الأخلاقية والإجتماعية التي تفرضها عليهم ضوابط المهنية الإعلامية، ولأن التفاهة أصبحت أشد فتكاً، والتسيب بات واضحاً، الأمر الذي يتطلب الإستحواذ عليه، فإن الحاجة الآن ماسة إلى هيئة رقابية من خارج تلك القنوات، تقوم مهمتها على مواجهة سلبية هذه القنوات، والأخذ على يدها لتغيير مسار توجهها، وفلترة وتهذيب المادة الإعلامية التي تعرض فيها قبل نشرها، واستغلال هذه المساحة الإعلامية في الطريق الأمثل، والرقي بمستوى الذوق والاحترام للمتلقي، وذلك من أجل إعادة السيطرة والارتقاء بإعلامنا.
ولكل إمعة أقاموا منبراً أو منبرين إذ يضيق المنبر

محمد بن سعد ال مسفر
apoyazn@hotmail.com
 0  0  3007