الإحساس بالزمن بين البدائية والثورة التكنولوجية
الإحساس بالزمن بين البدائية والثورة التكنولوجية
بقلم الأستاذ/ محمد فاضل العمري
(سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبالك يسأم)
يأتي هذا البيت الشهير ضمن معلقة الشاعر الجاهلي الحكيم زهير بن أبي سلمى التي أودعها الكثير والكثير من الحكم والأمثال والتي لا تزال سائرة حتى يومنا هذا ، وقد أوحى لي مضمون هذا البيت بمفارقة عجيبة بين عصره وعصرنا جعلتني أتوقف عند أبعاد ذاتها وأسبر أغوار مسبباتها فالشاعر لم يتسلل إليه السأم من الحياة وتكاليفها إلا في الثمانين من عمره رغم البساطة والتلقائية والبدائية التي كانت تسيطر على مقومات الحياة في ذلك العصر من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وحتى الطموحات والآمال كانت بمستوى بساطة ذلك المجتمع الجاهلي وأهله ورغم شظف العيش وانعدام الأمن وكثرة الحروب والغارات والثأرات والنعرات وانعدام الحد الأدنى من وسائل الترفيه فقد كان أكبر هم الفتى الجاهلي أن يصبح فارساً مغواراً لا يشق له غبار ويشار إليه بالبنان كما كان أكبر هم الفتاة أن تحظى باستمالة قلب فارس من فرسان القبيلة ليصبح زوجاً لها ليكون ذلك مدعاة للتفاخر على مثيلاتها من الفتيات وفي خضم تلك الظروف القاسية فقد كانوا متمسكين بكل ما من شأنه أن يعلي مكانتهم ويرفع قدرهم من صفات نبيلة كالشهامة والكرم والوفاء والصدق وغير ذلك مما أقره الإسلام لاحقاً ، ومع ذلك كله كان لديهم الإحساس بطعم الحياة ومرور الزمن .
وعلى النقيض من ذلك كله ما نلحظه في عصرنا هذا المسمى عصر السرعة الذي انعدم معه الإحساس بالزمن فقد يمر اليوم بساعاته والشهر بأيامه والسنة بشهورها دون وعي منا بذلك لولا ما يتخللها من مناسبات مرتبطة بتواريخ محددة ، نعم هو عصر السرعة في السعي الحثيث وراء المادة وجمع الأموال والسرعة في اقتناص عيوب بعضنا البعض والتسابق إلى الغيبة والنميمة والسرعة في نقلها والتنافس في هتك الأعراض والسباب والشتائم والسرعة في التحلل من القيود الدينية والمجتمعية والانخراط في دوامة الحرية الغربية وتقليد رموزها إلا من رحم ربك ولذلك انطمست موروثاتنا الدينية والعرفية تحت طوفان الجشع المادي والمصالح المتبادلة كذلك فهو عصر السرعة في انقضاض المصائب والنكبات وتتابعها بحيث لا نفيق من صدمة إلا ونفاجأ بأخرى وسرعة في تصنيع المبيدات البشرية وآلات الدمار الشامل واستخدامها لإبادة آلاف الأنفس في لحظة واحدة وبضغطة زر , سرعة في اتخاذ القرارات وبالذات الهدامة منها , سرعة في تدفق المعلومات الضارة منها قبل النافعة كل ذلك أدى إلى تبلد المشاعر وتجمد الانفعالات وبناء جدار مناعي لدى المجتمع ضد أي مشهد مؤلم أو خبر مفجع .
عصر السرعة التكنولوجية والتقنية المعلوماتية التي جعلت من الكادر البشري عبداً لها وجعلت الكثير من مصادر ثقافتنا الأساسية مركونة على الرف وحلت في كثير من المجالات محل اليد العاملة وحولتها إلى يد عاطلة وأصبح الكثير من الشباب مقيداً بين سندان الفراغ ومطرقة البطالة واليأس ولهذا فنحن نقابل يومياً شباباً في مقتبل العمر وعند السؤال عن أحوالهم يكون الرد غالباً بعبارات تشير إلى الملل من الحياة والناس واليأس والتشاؤم رغم أنهم لم يدخلوا معترك الحياة بعد ولم يصطدموا بعقباتها ويخوضوا تجاربها ولكن الفراغ وقلة الحركة وضعف البنية التحتية المتمثلة في التربية مدخلات أدت إلى هذا المخرج الهش ولو أضفنا لها المخزون الهائل من الطاقة الكامنة في نفوس هؤلاء الشباب فإنها ستكون مجتمعة قائدة لهم إلى هاوية الرذيلة والارتماء في أحضان الأعداء وبراثن الفتن .
يأتي هذا البيت الشهير ضمن معلقة الشاعر الجاهلي الحكيم زهير بن أبي سلمى التي أودعها الكثير والكثير من الحكم والأمثال والتي لا تزال سائرة حتى يومنا هذا ، وقد أوحى لي مضمون هذا البيت بمفارقة عجيبة بين عصره وعصرنا جعلتني أتوقف عند أبعاد ذاتها وأسبر أغوار مسبباتها فالشاعر لم يتسلل إليه السأم من الحياة وتكاليفها إلا في الثمانين من عمره رغم البساطة والتلقائية والبدائية التي كانت تسيطر على مقومات الحياة في ذلك العصر من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وحتى الطموحات والآمال كانت بمستوى بساطة ذلك المجتمع الجاهلي وأهله ورغم شظف العيش وانعدام الأمن وكثرة الحروب والغارات والثأرات والنعرات وانعدام الحد الأدنى من وسائل الترفيه فقد كان أكبر هم الفتى الجاهلي أن يصبح فارساً مغواراً لا يشق له غبار ويشار إليه بالبنان كما كان أكبر هم الفتاة أن تحظى باستمالة قلب فارس من فرسان القبيلة ليصبح زوجاً لها ليكون ذلك مدعاة للتفاخر على مثيلاتها من الفتيات وفي خضم تلك الظروف القاسية فقد كانوا متمسكين بكل ما من شأنه أن يعلي مكانتهم ويرفع قدرهم من صفات نبيلة كالشهامة والكرم والوفاء والصدق وغير ذلك مما أقره الإسلام لاحقاً ، ومع ذلك كله كان لديهم الإحساس بطعم الحياة ومرور الزمن .
وعلى النقيض من ذلك كله ما نلحظه في عصرنا هذا المسمى عصر السرعة الذي انعدم معه الإحساس بالزمن فقد يمر اليوم بساعاته والشهر بأيامه والسنة بشهورها دون وعي منا بذلك لولا ما يتخللها من مناسبات مرتبطة بتواريخ محددة ، نعم هو عصر السرعة في السعي الحثيث وراء المادة وجمع الأموال والسرعة في اقتناص عيوب بعضنا البعض والتسابق إلى الغيبة والنميمة والسرعة في نقلها والتنافس في هتك الأعراض والسباب والشتائم والسرعة في التحلل من القيود الدينية والمجتمعية والانخراط في دوامة الحرية الغربية وتقليد رموزها إلا من رحم ربك ولذلك انطمست موروثاتنا الدينية والعرفية تحت طوفان الجشع المادي والمصالح المتبادلة كذلك فهو عصر السرعة في انقضاض المصائب والنكبات وتتابعها بحيث لا نفيق من صدمة إلا ونفاجأ بأخرى وسرعة في تصنيع المبيدات البشرية وآلات الدمار الشامل واستخدامها لإبادة آلاف الأنفس في لحظة واحدة وبضغطة زر , سرعة في اتخاذ القرارات وبالذات الهدامة منها , سرعة في تدفق المعلومات الضارة منها قبل النافعة كل ذلك أدى إلى تبلد المشاعر وتجمد الانفعالات وبناء جدار مناعي لدى المجتمع ضد أي مشهد مؤلم أو خبر مفجع .
عصر السرعة التكنولوجية والتقنية المعلوماتية التي جعلت من الكادر البشري عبداً لها وجعلت الكثير من مصادر ثقافتنا الأساسية مركونة على الرف وحلت في كثير من المجالات محل اليد العاملة وحولتها إلى يد عاطلة وأصبح الكثير من الشباب مقيداً بين سندان الفراغ ومطرقة البطالة واليأس ولهذا فنحن نقابل يومياً شباباً في مقتبل العمر وعند السؤال عن أحوالهم يكون الرد غالباً بعبارات تشير إلى الملل من الحياة والناس واليأس والتشاؤم رغم أنهم لم يدخلوا معترك الحياة بعد ولم يصطدموا بعقباتها ويخوضوا تجاربها ولكن الفراغ وقلة الحركة وضعف البنية التحتية المتمثلة في التربية مدخلات أدت إلى هذا المخرج الهش ولو أضفنا لها المخزون الهائل من الطاقة الكامنة في نفوس هؤلاء الشباب فإنها ستكون مجتمعة قائدة لهم إلى هاوية الرذيلة والارتماء في أحضان الأعداء وبراثن الفتن .