×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

التحرش ـ ما ذا يجب على الآباء والأمهات؟


التحرش ما ذا يجب على الآباء والأمهات؟

علي بن غالب

لا شك أن بعض الموضوعات حساسة اجتماعياً لدينا، ونقاشها يصيب المتحدث والسامع بالصداع، وكثيرا ما يُقتَل النقاش فيها عندما يبدأ، والسبب هو عدم تصور الشخص عضو النقاش أن تكون هذه الأمور موجودة في مجتمعنا، وبالتالي فهو لا يتخيل بحال من الأحوال حتى مجرد خيال أن يتعرض لها هو أو أحد أقاربه، فلا يكاد يطرح هذا الأمر إلا وتأباه نفسه ويتمنى إغلاق باب النقاش فيه، وحق له هذا التصرف فيما لو كنا نعيش في العقد الماضي أو ما قبل السنوات الخمس الأخيرة!! أما والحال حالنا هذه الأيام مع ما يتعرض له الشباب والمراهقون مما يمكن أن أسميه الطوفان الهادر من الأجهزة والبرامج الموجودة على هذه الأجهزة التي تربطهم مع القريب والبعيد والمعروف حالهم والنكرات، والصغار والكبار، بالإضافة لما تحويه من مقاطع ومشاهد يندى لها الجبين، ولا يمكن بعدها التنبؤ بنتيجة هذه التقنيات على المستوى الشخصي ومن ثم الاجتماعي، فأرى أنه لا يجب أن يستغرب الفطن منا أيَّ طرح ولا يستكثره، وخصوصاً إذا كان الهدف من الطرح بناءً وإيجابياً، فنحن في زمن لم يعد هناك خطوط حمراء أو مسلمات اجتماعية إلا في أذهان بعض المثاليين أما الواقع فحدث ولا حرج والله المستعان.
وحتى يكون الطرح أكثر وضوحاً، فقد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قبل فترة قصيرة حادثة تحرش أحد المجرمين - ممن انعدمت لديه الفطرة البشرية في أبسط معانيها - بطفلة صغيرة لم يتجاوز عمرها 8 سنوات في أعلى تقدير، ولا شك أن هذا العمل إجرامي مشين يجب أن ينال مرتكبه أقصى العقوبات الشرعية وأن يكون عبرة لغيره، كما لا يجب أن يتم تعويم الحادثة بحجة كونه مريضاً نفسياً ونحوه.
إذاً موضوع التحرش موجود ومثبت الآن بالتسجيل المرئي، وليس خيالا في بعض أذهان الموسوسين كما كان الكثير يظن إلى وقت قريب! والتحرش بحد ذاته جريمة اجتماعية وأخلاقية إذا كان مع الكبار، فكيف عندما يكون الضحية طفلاً أو طفلةً في عمر الزهور؟!
وأنا هنا لست بصدد تحليل هذا الداء الخطير من ناحية اجتماعية أو شرعية، لكن الزاوية التي أردت أن أطرقها هي دور الأسرة للوقاية مما يمكن أن يحصل مما لا تحمد عقباه كما حصل مع هذه الطفلة البريئة، فهناك عدد من الأمور التي يجب أن يتم مراجعتها لدى الأسرة من حين لآخر والتأكد من عدم التساهل بها، وتغليب جانب الحذر والحيطة وأقصى درجات التوجس والانتباه حيالها، ومن ذلك :
عدم الوثوق بأي غريب عند التعامل مع أبنائنا وبناتنا، مهما كان هذا الغريب، سائقاً أو حارس عمارة، أو خادمة، أو عامل بقالة أو عامل توصيل الطلبات أو مدرساً خصوصياً، إلى ماعدا هؤلاء ممن يغلب على الكثير من الأسر - فيما أشاهده بعيني- التساهل عند تعاملهم مع الأطفال، ولقد شاهدت غير مرة هنا في مدينة الرياض سائقين يضعون أطفال مكفوليهم في أحضانهم وهو يقودون السيارة! وما ذلك إلا لتهاون مكفوليهم في وضع الخطوط الحمراء عند تعامل هؤلاء الغرباء مع أطفالهم.
لا يستحِ الوالد أو الوالدة كل بحسب موقعه وقربه من أبنائه وبناته أن يجعل لهم هذه الخطوط الحمراء ويوضح لهم الأماكن المحددة من أجسامهم التي يجب ألا تلمس تحت أي ظرف، والأوضاع التي يجب ألا يسمح لغير الوالدين باتخاذها مع أبنائهم، كالاحتضان أو التقبيل وأن يحذرهم من تدخل أي أحد إلى هذه الخطوط الحمراء، مهما كان السبب، وأنه يتوجب عليهم الصراخ وطلب النجدة عند محاولة أي شخص الاقتراب أو التعدي على أي من هذه الأماكن.
منح الأمان الكافي للطفل، بحيث لو تعرض لأي نوع من أنواع التحرش أن يبلغ والديه فوراً، وإلا كان خوفه منهما سبباً في عدم إبلاغهما، وبالتالي قد يستمريء المعتدي هذا الأمر ويقع الطفل في براثن هذا المجرم وعندها يصبح التخلص منه أمراً صعباً جدا.
يجب القرب من الأبناء ومعرفة ما معهم من نقود أو أجهزة اتصالات وإن وجد فيبحث فوراً عن مصدرها، لأن بعض هؤلاء الذئاب يستغلون حب الأطفال أو المراهقين لهذه الأجهزة أو النقود فيأتونهم من هذا الباب، كما يجب عدم التقتير على الأبناء وفي نفس الوقت عدم الإغداق عليهم بالأموال والأجهزة، فالمسألة بحاجة للتوسط والموازنة بين الإفراط والتفريط.
يجب عدم ترك الأطفال بمفردهم خارج المنزل سواء لضرورة كانتظار باص المدرسة أو إرسالهم للبقالة أو السوق مثلا، أو لغير ضرورة كما يشاهَد أحيانا من وجود الأطفال في الشارع جلوساً خارج المنزل وخاصة في المدن، حيث يغلب تجول الغرباء. ومن الضروري أن يخرج أحد كبار الأسرة كالأب أو الأم أو أحد الإخوة الكبار بمعية الأطفال عند الذهاب للمدرسة وانتظار ركوبه الباص أو وسيلة النقل أيا كانت، وقبل وصوله في الظهر يكون في استقباله أيضا في الخارج أحدهم حتى لا يتكرر المشهد المؤلم الذي تعرضت له تلك الطفلة التي أشرت لها في بداية المقال، كما لاينبغي التساهل باصطحاب السائق للأطفال لوحدهم في السيارة ولأوقات طويلة خارج المنزل.
عند حصول هذا الأمر لاقدر الله- لأحد الأبناء او البنات لأي سبب، فلا يعني هذا أن يقوم الأبوان بالتكتم على الأمر باعتبار الأمر عاراً قد يلحق بالأسرة مدى الحياة، وهذا لا يعني إفشاء الأمر لكل أحد! ولكن يجب أن يكون لدى الأب أو الأم الجرأة لإبلاغ الجهات الأمنية أو هيئة الأمر بالمعروف بالأمر، وإلا تجاوز المعتدي إلى غير ابنهم او ابنتهم وربما عاود الأمر مع الابن نفسه أو البنت نفسها، لأنه أمن العقوبة.
أما على مستوى الطفل نفسه فلا يجب أن يُستَسلم للأمر الواقع وينتهي كل شيء، فهناك العيادات النفسية المتخصصة لمثل هذه الحالات، وينبغي عدم التساهل مع تأثير هذا الاعتداء على الطفل على المدى البعيد، وعلى تكوينه الشخصي والنفسي، ولست ممن يتكلم في غير تخصصه، ولكني أعرف عددا من الإخوة الفضلاء من الأطباء النفسيين الذين ينقلون تجاربهم في هذا الباب، ولا شك أن لكل داء دواء، كما يجب كسر النمط السائد عن العيادات النفسية وأنها ملاذ للمرضى النفسيين والمتخلفين عقلياً!! كلا! فهناك أشخاص أسوياء وبكامل قواهم العقلية ولكن تمر ببعضهم ظروف تضطرهم لزيارة هذه العيادات كما يزورون غيرها من العيادات وبدون أدنى حرج، وكذلك هؤلاء الأطفال أو المراهقين ممن لاقدر الله تعرضوا لهكذا حوادث.
وختاماَ فإن هناك أمراً مهماً يجب ألا نغفله، بل هو أهم من كل ما ذكر على الإطلاق، وهو تحصين الأطفال وتعويذهم عند الصباح والمساء، كقول: أعيذكم بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، أو أعيذكم بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة وفي هذا حفظ لهم بإذن الله.

وسم " #لاتلمسني "


كاتب في صحيفة تنومة
 0  0  6701