×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

( يا ليتني مت قبل هذا )

عمار الوليدي
بواسطة : عمار الوليدي

( يا ليتني مت قبل هذا )



بقلم الأستاذ :عمار بن علي الوليدي

في الزمن السحيق وفي حياة تقليدية رتيبة, كانت تعيش مريم بنت عمران تلك الفتاة البكر البتول بكل هدوء, في يوم ما كانت في المحراب كعادتها أتتها الملائكة تبشرها أن الله يبشرك بكلمة منه وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين, لم تستوعب السيدة العذراء الأمر, فخاطبت نفسها بذهول هناك أمر غير منطقي, فأنا فتاة لست متزوجة فكيف يكون الحمل؟! لم تتمالك شراسة الأسئلة في رأسها, فبادرت الملائكة بالسؤال: أنّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر؟ ولم أك بغياً؟ أجابها جبريل بثقة لا مثيل لها : كذلك الله يخلق ما يشاء.

في يوم ما وهي تسير في الصحراء جاءاها المخاض بجوار جذع شجرة, تذكرت حينها كيف ستكون ردة فعل قومها, فجزعت وصرخت وقالت: ياليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً.

هذه هي الصورة الحقيقية ...
لما حملت ابنها لقومها فجعوا وانتشرت الإشاعة بين الناس أنها أتت بغلام دون أن يكون لها زوج, سرت الشائعات بالقدر الذي يسيء لها, فأتوا إليها يجادلوها: يا مريم ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً, في إسقاط مريع بحقها.
انظر إلى الفارق ما بين الواقعة وبين الحديث الذي سرى بين الناس واثره على الشخص وعلى محيطه الاجتماعي, الاشاعة ليس فقط اختلاق الأمر وإنشاؤه من العدم , بل أيضا في حمل الأخبار غير المؤكدة ونشرها بين الناس.
الشائعات سلطة يتم استخدامها وتطويعها توازيا مع الأخبار, باستطاعة الشائعة أن تسقط دولاً, بل في خلخلة المجتمعات لفرض الهيمنة عليها.

إن الرغبة في التشهير بالأشخاص والانتقام أسباب رئيسة لرواج الشائعات وصنعها, ولا يمكن النظر في الشائعات إلا كونها مرض يسري في جسد المجتمع والأفراد.

كثيراً ما تأتينا الرسائل على الواتس أب أو مواقع التواصل الاجتماعي بإشاعات لا تنقطع, كزيادة الرواتب مثلا إشاعة تكرر كل سنة, يلتقطها أصحاب الدخل المنخفض, فيبنون عليها الآمال حتى إذا ما أفاقوا على كونها كذبة أصيبوا بخيبة أليمة, ما ذنب هذا ومن يتحمل ألمه؟!

تفيد كثير من التقارير بأن 80% من الأخبار في الواتس أب وتويتر إشاعات, حتى أن الإشاعة بمقدورها أن تهلك الأشخاص مادياً كما حصل يوماً ما في غفلة المجتمع, عنما أشيع أن مكائن سنجر تحتوي على الزئبق الأحمر الأمر الذي أوصل أسعار هذه المكائن لمئات الآلاف!!
ولذلك فإن سوق الإشاعات ينشط في المجتمعات المتخلفة والأقل شفافية, حيث يكون الوصول إلى الحقيقة صعباً, ولذلك فإن الاشاعات تقل في الدول المتقدمة.
لذلك الشخص الواعي هو خط الدفاع الأول في مكافحة هذه الظاهرة, فإذا ما أتت رسالة فيها من هذا النوع فإنه يجب أولاً أن يتبن ويطلب من الناقل الإثبات, بهذا يمكن من الحد من الظاهرة سيما أن الإشاعات تبدأ صغيرة فتكبر.

للتواصل مع الكاتب : mr.ammar-555@hotmail.com

بواسطة : عمار الوليدي
 0  0  2689