×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

أمن الطفل النفسي (1-2)

علي بن هشبول
بواسطة : علي بن هشبول

أمن الطفل النفسي (1-2)

بقلم الأستاذ/ علي هشبول

الطفل نواة عالم البشر،وهو ببراءته وبكرامته الإنسانية أفضل مخلوق في الوجود ،لكنه كائن تنقصه الخبرة ،وينمو نحو اكتمال الإدراك ونضج الانفعالات ،واكتساب المهارات.

ولذا فإن وقايته من الخوف والاهتمام بصحته النفسية إلى جانب رعاية نموه العام ،وتنشئته التنشئة السليمة ،وعدم تعنيفه واحتقاره ،بل واحترام عقله وتنمية إبداعه ،كل ذلك يقع في بؤرة الواجب التربوي ،وعندما يُقام بهذا الواجب على وجهِ الجدية والاهتمام فذاك مورد عظيم لتنميةِ أحد أهم أسس نجاح القوى البشرية لأي مجتمع على أديم الأرض.
إن الخوف حالة انفعالية فطرية في الإنسان ،إِلاّ أن الأذكياء من الأطفال أكثرُ عرضة له من غيرهم ،لأنهم أكثر تخيلاً وتوقعاً ،ولذا فإن الخوف قد يحد من طموحاتهم وإبداعاتهم وتعلمهم ونموهم.

ومن المسلمات التربويةِ أن حاجة الطفل( ذكر- أنثى ) إلى الطمأنينة النفسية من أقوى الحاجات التي يجب أن تشبع بإيجابية عبر مضمار التنشئة الطويل مع اشباع حاجاته الأخرى كالحب واللعب والتقدير والتقبل والاحترام والإطراء وكفاية النوم والغذاء الجيد المتوازن..إلخ ،والتي هي بدورها تشعر الطفل بالأمن والطمأنينة. وعلى العكس فإن عدم تأمين ذلك يؤدي إلى نشوء الاضطرابات النفسية والجسدية مما يؤدي إلى تعثر مسيرة النمو الشامل والتعلم.

وببساطةٍ فإن الأمن النفسي يعني :تجنيب الطفل مثيرات الخوف الصادمة والمؤلمة سواء كانت حسية أو غير حسية (وهذا بالطبع لا يعني عزل الطفل عن التعرض لتلك المثيرات بالشكل التدريجي الطبيعي الذي يجعله يتكيف مع المثيرات المخيفة في الحياة بشكل منطقي تعلُّمي إيجابي في ضوء المساندة والتوجيه) ولهذا فإن من أهم دعائم تحقيق الأمن النفسي للطفل ،توفير البيئة الآمنة له (على عكس البيئة المهددة والمتوعدة) وذلك في كنف وجود الوالدين إلى جواره وإظهار الحب له قولاً صادقاً وسلوكاً ،مع إشعاره بالحماية المعتدلة (لا الزائفة) ،والعدل في المعاملة بينه وبين إخوته وأخواته ،وكذا عدم المساومة عليه بين الوالدين ،ودرء ما أمكن من أسباب الانفصال والشجار بينهما ،وعدم تفضيل الذكر على الأنثى في المعاملة ،وكذا عدم التخلي عن رعايته كاملة للخادمات وتعاقبهن عليه بين حين وحين.

ولا شك أن ديننا الحنيف قد رعى ذلك حق الرعاية وقايةً وعلاجاً ،فأكد على تحرير الفرد على اختلاف عمره من الخوف والترويع ،حيث قال الرسول صلى الله علية وسلم ( لا يَحِلٌّ لمسلم أنْ يٌرَوِّعَ مسلماً)) رواه أبو داود .وحرص عليه الصلاة والسلام على طمأنة ومحو شعور الخوف من النفوس حيث قال لرجٌلٍ قابله ،وكانت فرائِصُه ترتعد هيبةً من الرسول صلى الله عليه وسلم ( هَوِّن عليك فإني ابن امرأةٍ تأكل القديدَ بمكة )) رواه البيهقي .

لقد ركز الإسلام على أهمية التنشئة السوية في ظل أسرة هادئة واعية تتولى النقش الأول في هذه الصفحة البيضاء النقية (الطفل) بغرس العقيدة في نفسه ابتداءً بقدوة والدية صالحة ،وبأداء وتعليم سلوك العبادات والقيام بالواجبات ،والتحلي بالقيم الإيجابية وحسن الخلق متوجاً بالسلوك العملي ،مع صفاء النفس بتعوّد الذكر والدعاء ،والتحلي بسمات الشخصية المرنة المحاورة التي لا مكان للعدوان في تفكيرها وسلوكها .كل هذا يشاهده الطفل ويتشربه وينشأ عليه كحقٍ له ،وكواجب من واجبات ذويه تجاهه فينشأ آمناً مطمئناً .وهذا ينطوي دون شك على احترام عقل الطفل أيضاً،وينمي لديه الثقة والمسؤولية الذاتية ،بل ويحدد مصيره العقدي والسلوكي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) .رواه البخاري .وقال الإمام الغزالي رحمه الله (الصبي أمانة عند والديه ،فإن عوداه الخير نشأ عليه ،وإن عوداه الشر وأهملاه إهمال البهائم شَقِي وهلك ،وكان الوزر في رقبة وليه).وكان ابن خلدون يُحَذّر من تخويف الأطفال بقوله (من كان مَرْبَاهُ بالعَسْفِ والقهر سطا به القهرُ،وضَيَّقَ على النفس في انبساطها ،وذهب بنشاطها وحَمَلَ على الكسل والكذب والتظاهر بما ليس في ضميره خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه).فابن خَلدون هنا لا يحذر من تخويف الأطفال فقط ،بل يَذْكر التبعات السلبية لذلك عليهم كالكسل والكذب والتمثيل. ومن المعروف لدى التربويين المعاصرين ما يسببه الإيذاء النفسي والجسدي من مخاوف واهتزازٍ في شخصية الطفل وتحقيرٍ وهدمٍ لذاته ولإبداعاته ،مع تأكيدهم على تعديل السلوك بطرق علمية ارتقائية تأخذ في الاعتبار العقاب بمفهومه التربوي الواسع البنَّاء


الجزء الثاني من المقال يتبع الجمعة القادم بإذن الله تعالى.

بواسطة : علي بن هشبول
 0  0  6765