×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

رثاء الكبار


رثاء الكبار


إذا ما مات ذو علم وتقوى = فقد ثُلِمت من الإسلام ثُلمة
وموتُ الحاكم العدلِ المولّى = بحكم الأرض منقصةٌ ونقمة
وموت العابدِ القـوّام ليـلاً = يُناجي ربّه في كـل ظلمـة
وموتُ فتىً كثير الجود محـلٌ = فإن بقاءه خصـبٌ ونعمـة
وموتُ الفارس الضرغام هدمٌ = فكم شهِدتْ له بالنصر عزمة
فحسبُك خمسةٌ يُبكى عليهم = وباقي الناس تخفيف ورحمـة
عندما يتوفى الله آحاد الناس من عوام المسلمين، يبكيهم أقرباؤهم وأهلوهم، ويحزن عليهم بعض من يعرفهم لبضعة أيام ثم ينصرف كل إلى همه، ويعود كل إلى ميدانه الدنيوي، أما من نذر نفسه لهم هذا الدين العظيم، وحمل على عاتقه هداية الناس للطريق المستقيم، فبلا شك أن الناس تفقده، ومجتمعه يفقده، ومنبره يفقده، ومكتبته تفقده، جيرانه، أقاربه، طلابه، جمهوره من الشباب والكبار، ممن سمعوا منه، وجلسوا في مجلسه، واستمعوا دروسه ومحاضراته. ثم لا شك أن قبض العلماء والدعاة إلى الله عز وجل، ثلم لا يسده شيء حتى قيام الساعة، وبحسب تأثير العالم أو الداعية إلى الله في مجتمعه يكون ألم فقده والشعور بموته في المجتمع، وكم من شخص ذا منصب أو مال أو جاه انصرف عنه الناس لذهاب منصبه أو ماله أو جاهه، فلم يفقده الناس حيا حتى يفقدوه ميتا - هذا في الغالب الأعم - ،أما العالم الشرعي فدثاره وشعاره هذا العلم، وأنى لمن رفعه الله أن يضعه (.. ‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏..) ‏[‏المجادلة‏:‏ 11‏]‏ (.. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ...) ] فاطر:28] وهل يظن أحد أن هذا التكريم الإلهي لهؤلاء العلماء والدعاة إليه يمكن أن يوضع من قلوب الناس بحسد حاسد؟ أو وشاية واشٍ؟ أو تضييق ناقم؟ كلا! إنما هو القبول من الله ولا شيء غير ذلك، وهذا القبول منحة إلهية لا تشترى بكنوز الأرض، ولا تُفتدى بأموال الدنيا، ولا يهبها أحدٌ لأحدٍ من البشر إلا خالق البشر.
فقدت المنطقة أحد قامات العلم والدعوة فيها، وهو الشيخ عبدالله بن محمد الشهراني، ولم يُعرَف الشيخ في المنطقة بمنصبه في الجامعة أستاذاً مشاركاً فيها ، وإلا لما سمعنا به شأنُه شان الكثيرين، وإنما عرفَتْهُ منطقته داعياً إلى الله، مربياً، ناصحاً، جعل مشروعه وهمه هذا الدين، والدعوة إليه والتفنن في ابتكار الأساليب الجديدة والمتطورة لتقريب الناس إلى هذا الدين، فخرج من تحت يده الكثير من المشاريع الدعوية، ليس مشروع الخيمة الدعوية بأبها إلا واحداً منها، عرفَتْهُ المنطقة مديراً للمكتب التعاوني للدعوة والإرشاد بأبها، عرفَتْهُ بقربه من الشباب، بلفتاته التربوية وتوجيهاته الأبوية لهم، ختم حياته برحلة دعوية مع بعض المشايخ ومنهم الشيخ سعد الحجري، وبينما هو راجع من رحلته تلك حصل له الحادث فصعدت روحه إلى بارئها، مخلفا حبه بين الناس، يشهد لهذا الحب، الآلاف الذين صلوا عليه وشيعوا جنازته، فاكتظ بهم جامع الراجحي بأبها، بل وامتلأت بهم الطرقات المحيطة بالجامع، الذي لم يكن يمتليء بمثل هذا العد من المصلين سائر العام، ثم ازدحمت الطرقات المؤدية لقرية الشيخ رحمه الله في تمنية، وتفاجأت القرية بزحام لم تتعود عليه، فتناثرت السيارات في القرية وامتلأت بالناس طرقُها وأزقتُها، قدم كل هؤلاء من مختلف مدن المملكة، بين مشايخ وطلبة علم وزملاء وطلاب ومحبين للشيخ رحمه الله، ولقد التقيت أثناء تشييع جنازته بأحد طلاب الجامعة الذي حكى لي قصة حجه مع الشيخ هذا العام، وكيف كان وقت الشيخ رحمه الله مزدحماً بالدروس والمحاضرات، ثم قال لي: كنا على موعد مع الشيخ هذا اليوم وهذا الوقت بعد صلاة الظهر ليلقي لنا كلمة مع مجموعة من طلاب الجامعة، ولكن الله أراد ألا نلتقي به إلا مشيعين له في المقبرة، فتأملوا كيف كان قد وهب وقته وجهده لله ولخدمة دين الله نحسبه على خير قد فارق دنيانا رحمه الله رحمة واسعة - .
أترك القاريء الكريم مع نفسه ليستفيد من حياة الشيخ وليجعل لنفسه عملاً لآخرته يقدمه لهذا الدين، وما يدريه لعل الله يختم له حياته بهذا العمل.
أسأل الله العظيم أن يغفر للشيخ عبدالله، وأن يجبر المنطقة في مصابها، وأن يعوضها خيراً منه، ولقد تعلمنا أن هذه الأمة مباركة، إن مات منها داعية حمل إخوانه وأبناؤه من بعده الراية وانطلقوا في ميدان العمل لا يلوون على شيء ولا تزيدهم الأزمات إلا عزما، ولا المصائب إلا شحذا، فيعودوا أحد مما كانوا وأقوى همة وتحملاَ لمسؤولية دينهم.

 0  0  6624