×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

فايز بن دحدوح نقش على جبين الزمن

د. علي عواجي
بواسطة : د. علي عواجي
فايز بن دحدوح نقش على جبين الزمن


بقلم : عراب الجهوة

الساعة تدق الرابعة من فجر يوم : الثلاثاء الموافق 17/2/1423هـ المكان:خيمة رجل أصيل أمام قصر تنومة للتراث ,النار تشتعل لتعطي بعضا من الدفء في صباح تنومة الذي وإن كان صيفا فإن اللسعات الباردة تجد طريقها إلى جسمك.
أشار الرجل بيده إلى أحد رفاق الرحلة هات لنا من القهوة لأقوم بحمسها , جمع صاحبنا كفيه أخذ كما من القهوة , صاح به ضاحكا هل تريد أن تفقرني ما هذه الكمية ؟ أخذ نزرا يسيرا وقام بحمسها على النار حتى أصبح لونها ذهبيا صافيا بعد أن كانت تميل إلى الاخضرار , ثم أخذ بدقها وفق سمفونية خاصة ثم قام بصنع القهوة على الجمر في دلة اسمها مروية , ثم بدأ بشرح قصة مروية مع خادم الحرمين الشريفين أطال الله عمره .
كان ذلكم هو عاشق التراث فايز الشهري الذي استضافنا أثناء جولتنا لحصر وتوثيق المواقع الأثرية والسياحية بعسير.. كان لقهوته مذاق خاص كيف لا وقد تم إعدادها بشكل خاص على الجمر المتوقد , وقال أثناء شرب هذه القهوة المميزة صباح ذلكم اليوم المبهج : كنت مشاركا في مهرجان الجنادرية , ومر خادم الحرمين الشريفين عندما كان وليا للعهد , وصحت قائلا : يا طويل العمر .. يا طويل العمر .. مروية ..مروية, فنظر إلي يحفظه الله ثم نظر إلى الدلة , التي كانت صغيرة الحجم جدا , فقال : هذي مظمية , فقلت له : هذي تروي أهل الجنادرية طال عمرك , نظر إلي مبتسما ثم قال: أجل مروية مروية .
ثم قام مضيفنا فايز بن دحدوح بصنع الخبزة على الفحم الملتهب , ثم كان تناول طعام الإفطار بتلك الخبزة من البر الساخن على شمع النحل المشبع بالعسل اللذيذ .
تم التوجه بعد صلاة الفجر مباشرة إلى موقع النغرة الأثري , أما الغداء فقد حسم أمره فقد كان رأس الذبيحة على المشب .
لم تكن الجولة مع الرجل إلا مزيجا من المتعة التي وصلت إلى حد الرفاهية العلمية فقد كان كنزا من العلم والفكر, كان الحافز والحب الفطري هو الذي قاد الرجل للاهتمام بهذا الموقع الأثري الرائع وهو موقع النغرة .
على أية حال .. عرف الرجل أنني تهامي وأنني الأقل جلدا لذا رأى أنني أحتاج إلى تموين زائد , فأخذ كمية كبيرة من الطعام للتزود بها أثناء الرحلة .
كانت رحلة من أمتع الرحلات بوجود هذا الرجل , لاتمل من حديثه وتشفق عليه من مشقته على نفسه حين يشعرك أنه ليس في الدنيا إلا أنت هما وهاجسا له يفرغ نفسه من كل مشاغل الدنيا ويوجه اهتمامه لك وحدك , فأنت دائرة اهتمامه وإن كنتم مجموعة كبيرة فيعطي كل فرد نفس الاهتمام , ثم كان الكرم التنومي في وجبة غداء شهية على خروف لذيذ في حصن التراث الشهير , هذا النموذج من الكرم الأصيل ما هو إلا مشهد متكرر من الجود والأريحية التي يتمتع بها هذا الرجل لكل من يقدم عليه , فقد سبق له أن رافق عدة وفود إلى ذلك المكان ومنهم وفد لجامعة الملك سعود على رأسهم الدكتور عبد الرحمن الأنصاري .
ثم كانت الجولة في حصن تنومة , وفوجئت بمقال لي في جريدة الوطن ثم عرضه في المتحف بعنوان : " هل أنصف الإعلام السياحة في عسير " رغم أن الرجل لم يكن يعرفني مسبقا .. قلت له : لم هذا ؟ قال : أعجبني المقال فقمت بعرضه .
أما بالنسبة لمحتويات المتحف وطريقة العرض وتقسيم المتحف فهو أمر يطول شرحه , ولكن يسعني القول أن الحصن شامخ شموخ صاحبه ومحتوياته ..
دار الزمان عدت مرة أخرى إلى تنومة بعد عشر سنوات , في الثامن من رمضان 1432 هـ كنت ضيفا على اثنينية تنومة التقيت بالرجل بعد تلك الفترة الطويلة ,وقف الرجل بشموخه أمام مشايخ وأعيان بني شهر مذكرا بلقائنا الأول طالبا مني أن أقوم بزيارته ولكن ظروفي لم تكن تسمح ,فاستمر التواصل بيننا بالرسائل والاتصال الهاتفي .
ليس بغريب على هذه البلاد التي أخرجت لنا الأفذاذ الذين برزوا في الجهوة أن تخرج لنا مثل هذا الرجل , وإذا أردت أن أستعرض كل من له فضل علي من أبناء تنومة فإن القلم سيغيض فهناك قائمة من الأفذاذ الذين أحبهم وأعتذر عن تقصيري معهم ولكل واحد منهم مكانة في قلبي بمساحة الجهوة , وكل واحد منهم نقش على ساعدي ووشم على بدني , وهم نقوش على جبين الزمان , وما الأستاذ فايز بن دحدوح إلا نموذج من تلك النقوش التي حفرت اسمها في ذاكرتي في هذه الحياة وأسأل الله أن يجمعني بهم بعد الممات في مستقر رحمته ورضوانه
بواسطة : د. علي عواجي
 0  0  3636