لَجَب .. وادي المتعة والعجب
لَجَب .. وادي المتعة والعجب
بقلم : أ.عبدلارحمن ظافر
منذ أكثر من عام تقريباً ذهبت برفقة عدد من الأصدقاء لوادي لجب ، ذلك المكان المهول والذي بإمكاني أن أقول عنه وبكل قناعة وثقة أن من لم ير هذا الوادي على الطبيعة فهو لم ير شيئاً يمكن وصفه بأنه مذهل في السعودية ، إنه مكان يدهشك بكل تفاصيله سيما الذي يزوره لأول مرة مثلي وقتها ، والغريب أن الذهول نفسه ذهول بطعم الخوف والمتعة معاً .. وأنت في هذا الوادي تنازعك رغبة ملحة للخروج من هذا الوادي المسكون بالهواجس والقلق لكن في الوقت نفسه تشعر بشيء يلح عليك بالبقاء خاصة وأن كل ما في هذا الوادي يدعوك للتأمل ، والغريب أيضاً أنه لا يستقر على هيئة أو شكل واحد ، ففي الصباح له وجه وفي المساء له وجه مختلف بل ويتبدى لك في كل لحظة ودقيقة بشكل جديد وكأنك مع كل إغماضة لجفنيك تلفي نفسك في مكان آخر يختلف عما أدركته في نظرة التأمل السابقة ، بمعنى أن هذا الوادي تشعر أنه يتعمد إثارة كل حواسك بأشيائه ومكنوناته وأسراره الخاصة التي لا تبرح وجدانك هامسة في جوفك بقولها لم تر شيئاً بعد ، فيه تناغم مثير بين كل شيء فيه حتى أصوات العصافير لا تصدح بأغانيها هكذا مجردة ..إنما مع تمازج عجيب مع حفيف الشجر وجلبة الناس مع ما يحدثه كل ذلك من رجع الصدى داخل لجته السحيقة ،عزف يتكئ على أريكة الماء الذي تسمع جريانه حولك بلا كلل أو ملل ، يتدفق من كل مكان وإلي كل مكان .. من أمامك ومن خلفك وعن يمينك وشمالك بل من تحت أقدامك ، فالعيون والينابيع تملأ جنباته ، وترى الناس أفواجاً يشربون ويتوضؤون ويملؤون مواعينهم والبهجة تغدق على محياهم بالضحك والسرور ،وفي ذلك المكان لا تحاول أن تبحث عن السماء !! فكلما يممت وجهك للأعلى فلن ترى من السماء إلا ما يشبه الخيط الأزرق الرفيع يمتد من أول الوادي وحتى آخره ، أما آخر الوادي فلن تبلغه أبداً ، فسيارة الدفع الرباعي التي كانت معنا لم توصلنا إلا إلي ثلثه ، وقد حاولنا التمادي فيه بأقدامنا لكننا لم نبلغ حتى منتصفه ، عن يميننا جبل مصقول أملس لا أمل لأي من كان في تسلقه أو حتى التشبث به .. هذا الجبل يمتد من أول الوادي ويستمر في المضي إلي حيث لا نعلم ، وعن يسارنا كذلك مثله ، وقد حاولت تأمل هذا الوادي من خلال جوجل إيرث فوجدته عبارة عن شق كبير يفلق جبلاً ضخماً أظنه قد نجم عن هزة أرضية عنيفة صدعته إلي نصفين ، أما الصدع ذاته فعميق جداً لو تأملته من أعلى الجبل لرأيت سيارات المرتادين لهذا الوادي وكأنها حبات الخرز المتناهية في الصغر أما الناس فلا أظنك ستراهم بسهولة ، أما إن كنت في جوفه وأردت أن تشاهد أين يبلغ ارتفاع الجبيلين الذي أنت بالطبع بينهما فما عليك إلا أن ترفع رأسك حتى يرتطم بظهرك ، حتى الأشجار هناك .. شاهقة جداً يصعب إدراك أين تريد أن تصل ، أعلم يقينا أنني مهما قلت هنا عن ذلك الوادي فلن يشبع أو يروي ضمأ الحقيقة في وصفه ، إنما لكي أكون محقاً .. فلست قاصداً أبداً توصيفه بقدر رغبتي في طرح هذا السؤال : أين هيئة السياحة عن هذا المكان .. والله لو كان في بلد آخر لكان واحداً من أهم الوجهات السياحية فيه ، فمن يزوره لن يجد أثراً لأي جهة ! رسمية كانت أم أهلية بدءً من الطريق الموصل إليه الذي سلكناه من محافظة ( بيش ) في منطقة جازان حيث كان منهكاً جداً علاوة على كثرة ما فيه من الانحناءات والتفرعات وانتهاءاً بالوادي نفسه ، حيث لم يكن فيه أي وسيلة من وسائل الأمن والسلامة يمكن أن يلجأ لها المرء وقت هطول المطر أو أثناء مداهمات السيول المنقولة كالجسور المعلقة أو السلالم الجانبية أو المرافئ الآمنة وغيرها ، وقد قرأنا عن حالات مأساوية وقعت فيه كان آخرها خمسة شبان أخرجتهم فرق الدفاع المدني أمواتاً بعد عمليات مضنية من البحث عن أجسادهم التي جرفتها السيول قبل ثلاثة أشهر ،أما ما يخص الترفيه فلا وجود لمطاعم أو كوفيهات أو حتى بقالة صغيرة ، باختصار شديد .. الوادي مهمل سياحياً ومهمل أمنياً .. فإما أن تقوم الدولة بالعناية به أو أن تمنع الناس من ارتياده وكفى .