تنومة الحالمة ورجالها الأوفياء
دخيل محمد القرني
وأنا أتذكّرُ إجازة الصيف الفائت, يتبادرُ إلى ذهني ذكرى ذلك اليوم الاستثنائي الذي قضيتهُ وصحبي في تنومةَ الزهراء, عندما دُعيتُ لاستلام جائزة الدكتور عبدالله أبو داهش في البحث العلمي بعد أنْ منّ الله عليّ بالحصول عليها مناصفةً مع أخي الأستاذ مسعود المسردي.
كان مقدمُنا ومكوثُنا في تنومةَ حافلاً بالصور الجمالية التي لن تبرح الذاكرة, فلم تكن الجائزة وحدها هي مَن أدخل السرور والبهجة على نفسي فحسب, كونها تعد جائزة ذات أهمية بالغة في مجال دراسات تاريخ وأدب الجزيرة العربية؛ إنما زادت البهجة وامتلأت النفس حبورا وسرورا عندما التقينا برجالٍ أصفياء أنقياء, احتفوا بضيوفهم أيّما حفاوة, ولا غرو في ذلك, فهي سجاياهم المعهودة التي عرفوا بها, كما أنهم معروفون بعلو هممهم, وسمو طموحاتهم لذلك صاروا جهابذةً في مجالات العلم المختلفة, ومن يبحث في سيرهم يجد أنّ لهم في دروب المجد علامات ورايات.
في ذاك المساء البهيّ احتفى بنا الرجل المضياف سعادة الدكتور عبدالله بن محمد أبو داهش في داره العامرة, بحضور سعادة رئيس مركز تنومة, وعدد كبير من المسؤولين, وعلية القوم, وكوكبة من المثقفين, كان المساءُ جميلا كجمال تنومة الزهراء, معطّرا بأريج الشعر الفصيح والشعبي, والكلمات المفيدة, والقصص الماتعة, كانت جلسةً أدبيةً تفوق الوصف, أدارها أستاذي في الدراسات العليا الدكتور صالح أبو عراد, وازدادت متعتنا عندما أطْلَعنا الدكتور عبدالله على متحف الشيخ محمد بن حسين أبوداهش الذي يحوي كنوزا أثرية نادرة.
ولأنّ مَن يدلُف إلى تنومةَ ويرى سماءها وأرضها وجبالها, ويقابل رجالها لا بد أن تتحرّكَ مشاعرُه رغما عنه, ولذلك هاجتْ قريحتي المتواضعة إبّان معانقتي ذاك الجمال الأخّاذ, وأبى لساني إلا أن ينطق شعرا, فصدحتُ بهذه المقطوعة في المجلس العامر, قبل أن نودع الأحباب؛ قلت فيها:
إلى تُنُومةَ كل الناس قد مالُوا*** فيها الجمالُ وفيها يُشرحُ البالُ
وفي مرابعها ترتاحُ أفئدةٌ*** وينجلي الهمُّ أو يستأنس الحالُ
أرى الخلائق هاموا في طبيعتها*** حتى العصافيرَ تشدو وهي تختالُ
بها رجالٌ تروقُ العينَ رؤيتُهم ***ولا تملُّ مسامعنا إذا قالوا
حديثهم يؤنسُ الأذانَ, يطربها*** كأنّه دررٌ في العقلِ تنثالُ
عرفتُ منهم رجالاً في العلا سكنوا*** قد عانقوا المجد أيامًا ولازالوا
أكرِمْ وأنعِمْ بهم أينما نزلوا*** تنبئكَ عنهم من التاريخ أفعالُ
عُدنا بعد منتصف الليل إثر وداعنا أولئك الرجال الأوفياء, وبعدما قضينا معهم وقتًا ماتعًا, سعدنا بما رأينا من كرم الإنسان, وصفاء نفسه, وجمال الطبيعة وتصوير الخالق وبديعه في تلك المحافظة الحالمة, ومهما تحدثتُ عن إنسانهم ومكانهم فلن أستطيع وصفهما.
ومما يجب علي ذكره؛ حينما وصلنا إلى بلدتنا في تهامة وردتني رسالة من الرجل المتواضع سعادة اللواء الدكتور: علي الجحني كتب فيها بيتين رائعين, معبِّرَين, هما:
سُرِرنا بلقياكم ويوم وداعكم*** سكبنا دموعَ الوجدِ من حزننا دما
أخذتم قلوبًا لا تطيق فراقكَم *** فعشنا بذكراكم نذوبُ تألّما
كان لهذين البيتين وقعٌ كبيرٌ في نفسي وفؤادي, فهممتُ بمعارضتها, إذ قلت:
طابتْ سرائركم وبان وفاؤكُم *** وبالودِّ عصفورُ السراةِ ترنَّما
وأنشد مختالا حفيّا بضيفهِ *** وفاحَ أريجُ المسكِ في الأرضِ والسما
فلّلهِ كم تاقتْ إليكُم قلوبُنا*** وتالله إنَّ القلبَ أمسى متيّمَا
فلمَّا رأينا في المساءِ وجوهَكُم *** كأنّا رأينا في السماءِ الأ نجُمَا
وما راعني إلا جمال نفوسكم *** يضاهي جمالا في تنومة قد نما
ومن لم يرَ ذاك الجمال بعينهِ *** فأقسمُ إنّ العين أودى بها العمى
وفي الختام أقول: كتبتُ ذلك توثيقا لرحلة لا تنسى, وكتبتُ ذلك أملاً في إيفاء تلك المحافظة ورجالها ولو بعض مما يستحقون؛ وأعترف بأنني وحروفي وكلماتي لن نستطيع إيفاءهم قدرهم كاملاً؛ لذا أقول كما قال الشاعر:
ولو أنني أوتيتُ كل بلاغةٍ *** وأفنيتُ بحر النطقِ في النظمِ والنثرِ
لما كنتُ بعد القولِ إلا مقصرا*** ومعترفًا بالعجزِ عن واجبِ الشكرِ
كان مقدمُنا ومكوثُنا في تنومةَ حافلاً بالصور الجمالية التي لن تبرح الذاكرة, فلم تكن الجائزة وحدها هي مَن أدخل السرور والبهجة على نفسي فحسب, كونها تعد جائزة ذات أهمية بالغة في مجال دراسات تاريخ وأدب الجزيرة العربية؛ إنما زادت البهجة وامتلأت النفس حبورا وسرورا عندما التقينا برجالٍ أصفياء أنقياء, احتفوا بضيوفهم أيّما حفاوة, ولا غرو في ذلك, فهي سجاياهم المعهودة التي عرفوا بها, كما أنهم معروفون بعلو هممهم, وسمو طموحاتهم لذلك صاروا جهابذةً في مجالات العلم المختلفة, ومن يبحث في سيرهم يجد أنّ لهم في دروب المجد علامات ورايات.
في ذاك المساء البهيّ احتفى بنا الرجل المضياف سعادة الدكتور عبدالله بن محمد أبو داهش في داره العامرة, بحضور سعادة رئيس مركز تنومة, وعدد كبير من المسؤولين, وعلية القوم, وكوكبة من المثقفين, كان المساءُ جميلا كجمال تنومة الزهراء, معطّرا بأريج الشعر الفصيح والشعبي, والكلمات المفيدة, والقصص الماتعة, كانت جلسةً أدبيةً تفوق الوصف, أدارها أستاذي في الدراسات العليا الدكتور صالح أبو عراد, وازدادت متعتنا عندما أطْلَعنا الدكتور عبدالله على متحف الشيخ محمد بن حسين أبوداهش الذي يحوي كنوزا أثرية نادرة.
ولأنّ مَن يدلُف إلى تنومةَ ويرى سماءها وأرضها وجبالها, ويقابل رجالها لا بد أن تتحرّكَ مشاعرُه رغما عنه, ولذلك هاجتْ قريحتي المتواضعة إبّان معانقتي ذاك الجمال الأخّاذ, وأبى لساني إلا أن ينطق شعرا, فصدحتُ بهذه المقطوعة في المجلس العامر, قبل أن نودع الأحباب؛ قلت فيها:
إلى تُنُومةَ كل الناس قد مالُوا*** فيها الجمالُ وفيها يُشرحُ البالُ
وفي مرابعها ترتاحُ أفئدةٌ*** وينجلي الهمُّ أو يستأنس الحالُ
أرى الخلائق هاموا في طبيعتها*** حتى العصافيرَ تشدو وهي تختالُ
بها رجالٌ تروقُ العينَ رؤيتُهم ***ولا تملُّ مسامعنا إذا قالوا
حديثهم يؤنسُ الأذانَ, يطربها*** كأنّه دررٌ في العقلِ تنثالُ
عرفتُ منهم رجالاً في العلا سكنوا*** قد عانقوا المجد أيامًا ولازالوا
أكرِمْ وأنعِمْ بهم أينما نزلوا*** تنبئكَ عنهم من التاريخ أفعالُ
عُدنا بعد منتصف الليل إثر وداعنا أولئك الرجال الأوفياء, وبعدما قضينا معهم وقتًا ماتعًا, سعدنا بما رأينا من كرم الإنسان, وصفاء نفسه, وجمال الطبيعة وتصوير الخالق وبديعه في تلك المحافظة الحالمة, ومهما تحدثتُ عن إنسانهم ومكانهم فلن أستطيع وصفهما.
ومما يجب علي ذكره؛ حينما وصلنا إلى بلدتنا في تهامة وردتني رسالة من الرجل المتواضع سعادة اللواء الدكتور: علي الجحني كتب فيها بيتين رائعين, معبِّرَين, هما:
سُرِرنا بلقياكم ويوم وداعكم*** سكبنا دموعَ الوجدِ من حزننا دما
أخذتم قلوبًا لا تطيق فراقكَم *** فعشنا بذكراكم نذوبُ تألّما
كان لهذين البيتين وقعٌ كبيرٌ في نفسي وفؤادي, فهممتُ بمعارضتها, إذ قلت:
طابتْ سرائركم وبان وفاؤكُم *** وبالودِّ عصفورُ السراةِ ترنَّما
وأنشد مختالا حفيّا بضيفهِ *** وفاحَ أريجُ المسكِ في الأرضِ والسما
فلّلهِ كم تاقتْ إليكُم قلوبُنا*** وتالله إنَّ القلبَ أمسى متيّمَا
فلمَّا رأينا في المساءِ وجوهَكُم *** كأنّا رأينا في السماءِ الأ نجُمَا
وما راعني إلا جمال نفوسكم *** يضاهي جمالا في تنومة قد نما
ومن لم يرَ ذاك الجمال بعينهِ *** فأقسمُ إنّ العين أودى بها العمى
وفي الختام أقول: كتبتُ ذلك توثيقا لرحلة لا تنسى, وكتبتُ ذلك أملاً في إيفاء تلك المحافظة ورجالها ولو بعض مما يستحقون؛ وأعترف بأنني وحروفي وكلماتي لن نستطيع إيفاءهم قدرهم كاملاً؛ لذا أقول كما قال الشاعر:
ولو أنني أوتيتُ كل بلاغةٍ *** وأفنيتُ بحر النطقِ في النظمِ والنثرِ
لما كنتُ بعد القولِ إلا مقصرا*** ومعترفًا بالعجزِ عن واجبِ الشكرِ
كتبه في: 7/22/ 1434