نشأة العمل التطوعي وتطوره(2)
نشأة العمل التطوعي وتطوره(2)
بقلم أ. د. علي بن فايز الجحني*
نشأ العمل التطوعي مع الإنسان، حيث أخذ يزاوله عبرالعصور ومن خلال مجموعات من الناس،ممن يستشعرون دورهم وواجباتهم نحو بني قومهم , وعلى الرغم منأن فئة ممن لا يعرفون قيمة العمل التطوعي, ولا يكترثون بالمسؤولية الاجتماعية ,يحاربون هذا التوجه, أو يقفون منه موقفا سلبيافي بداياته, ومع ذلك ونتيجة لارتقاء الوعي المجتمعي تطورت برامج وممارسات الأعمال التطوعية تطوراً مذهلاً,وأصبحت الآن عملاً مؤسسياً منظماً , ورافداً حيوياً من روافد العطاء والتنمية. حيث إنه في بعض الاحصاءات الأمريكية المتحفظة،فإنه بلغ ما تطوع به 95 مليون متطوع ما قيمته 176 بليون دولار أمريكي في عام واحد، في حين أن مجموع ساعات التطوع 21 بليون ساعة، وهو ما يوازي عمل 9 ملايين موظف في العام...
وطبقا لما أورده بعض الباحثين الغربيين،فإن بريطانيا تعد أول من أسس فرقا تطوعية لمواجهة حريق لندن الشهير في عام (1666م)،كما استفادت أيضا من المتطوعين خلال الحربين العالميتين .أما أول من قام بتقنين العمل التطوعي وتنظيمه بالأسلوب الحديث،فهي الولايات المتحدة الأمريكية التي أصدرت في عام (1737م) قانوناً ينظم العمل التطوعي في مجال إطفاء الحريق . وهناك من يرى أن موقعة (سلفرينو 1859م) هي السبب المباشر وراء ظهور المنظمات التطوعية بمفهومها المؤسسي الحديث.
لقد استلهم مفكرو الغرب الكثير من أطروحاتهم وتشريعاتهم للأعمال التطوعية من الفكر الإسلامي وحضارته،فلم يخفوا إعجابهم بالقائد صلاح الدين الأيوبي عندما دخل القدس فاتحاً عام (1187م)وتطوعه بالحماية والإغاثة لغير المسلمين من خلال تسيير دوريات ، وإرساله الأطباء بما فيهم طبيبه الخاص لعلاج قائد جيش العدو .
وهناك نماذج مضيئة في حضارتنا الإسلامية يصعب حصرها،حيث انفرد الإسلام بنظام شامل متكامل لجميع جوانب الحياة،ومن ذلك التكافل الاجتماعي, وخدمة الإنسان لأخيه الإنسان , ففرض الزكاة، وحث على البر والعدل, وبذل المعروف وكفالة اليتيم , وإصلاح ذات البين، وكل أوجه أعمال الخير والبر والإحسان, وبرز العمل التطوعي في ظل النظام الإسلامي كإحدى الشعائر الإيمانية التي ترسخ مبدأ التكافل والأخوة الصادقة فجاءت نصوص كثيرة تحث على التطوع وتعظم أجر فاعله، قال الله تعالى:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وإقامة الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} (الأنبياء :73) وقال سبحانه :{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة:148)
وجاء في السنة المطهرة أحاديث كثير ة منها قوله صلى الله عليه وسلم :"الإيمان بضع وسبعون .. فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق, والحياء شعبة من الإيمان" وقال "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار" وقال :"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" وقال صلى الله عليه وسلم:
"أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد، ومن مشى مع أخيه في حاجه حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الإقدام"وقال: "أحب الناس إلى الله أنفعهم ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم .."
إن السعي في قضاء الحاجات باب واسع أمر به الإسلام، وحث عليه لما فيه من تقوية مقتضيات أواصر الأخوة الحقيقية،قال عليه الصلاة والسلام:" من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة،والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه"، فالمؤمن مكلف شرعاً أن يسعى بحسب الاستطاعة لإزالة النائبات أو تخفيفها عن إخوانه،قال بعض علماء السلف : " ما سألني أحد حاجة إلا قمت له بنفسي فإن تم،وإلا استعنت.."، فعلينا أن نبذل جهودنا لخدمة مجتمعنا السعودي خارج أوقات أعمالنا الرسمية والخاصةوأن يتذكر كل شخص أن مابه من نعمة , انما هي من نعم الله التي أنعم الله بها عليه،لينفع منها إخوانه،وهذا من دواعي شكر النعمة " ولئن شكرتم لأزيدنكم".
وتأسيساً على ما سبق،فإنه يتضح المفهوم العام للتطوع بشقيه الفردي والمؤسسي الذي ينطلق أساسا من إحساس المواطن بانتمائه للمجتمع الذي يؤدي فيه الخدمة ، على أن برامج التطوع المختلفة لابد وأن تكون في إطار القيم والنظم والتعليمات التي تنسجم وواقع الناس.
وختاماً فإنه لابد من التأكيد على ما جاء من الأثر: " إن لله تعالى أقواماً يختصهم بالنعم لمنافع العباد،ويثبتها عندهم ما نفعوهم،فإذا هم لم ينفعوهم حولها إلى غيرهم" ، وللحديث بقية في المقال الثالث القادم إن شاء الله،ولله الأمر من قبل ومن بعد.
*-أكاديمي سعودي/ جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية