×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الثامن من مايو

الثامن من مايو


"وفرنسا كذلك متواجدة !! لم يكن ينقص غير هذا " .. مقولة شهيرة ؛لا أعتقد أن أحداً اليوم سيتذكرها ويدرك مدلولاتها كما يتذكرها الألمان والفرنسيون سيما اليوم الأربعاء الذي يوافق ذكرى مولد هذه التغريدة للمرة الثامنة بعد الستين ،وهو ذات اليوم الذي يوافق أيضاً الذكرى الثامنة والستين لانتهاء الحرب العالمية الثانية ،فقبل هذا اليوم بخمس سنوات فقط ؛ كان المارشال " فيلهلم كايتل " على رأس الوفد الذي ذهب إلي فرنسا لتسلم توقيع استسلام فرنسا ودخولها تحت السيادة الألمانية وبالتالي نهاية أسطورة ( فرنسا دولة عظمى ) ،حيث لم يكن لكايتل أن يفوت مثل هذه الفرصة ليعبر للفرنسيين عما يختلجه من مشاعر البغض لهم ، فقد ألقى حينها على مسامعهم خطاباً أجمع الكثير من المؤرخين أن أوروبا الحديثة لم تعرف أقذع منه ، لكن الأيام كما هي العادة تدور ، فما هي إلا خمس سنوات حتى ساقت الأقدار ذات الرجل ليتولى بنفسه حضور ذات المراسم ، لكن هذه المرة .. كانت مراسم استسلام ألمانيا نفسها لقوات الحلفاء ، الفرق بين المشهدين ؛ أن عينه في المرة الأولى كانت تشع بنشوة الانتصار ، بينما كانت المهانة والخيبة وعلامات الذل والإنكسار جاثمة ليس على عينيه فقط . بل على قلبه وعقله وسائر حواسه ، ولم لا ؟ ومندوب فرنسا ذاتها التي لم تخب نيران إهانته لها واقفاً بابتسامته أمامه ، فلم يتمالك الرجل نفسه حتى أرسل تلك الكلمات المدوية بصوت مرتفع يسمعه الجميع : " وفرنسا كذلك متواجدة .. لم يكن ينقص غير هذا ! " .

المؤكد أن هذه المقولة توحي بأن ألمانيا حينها قد عادت للصفر بالفعل ، بل وتحت الصفر بمراحل سيما أنها بعد هذا التوقيع أصبحت تنهشها قوى الاحتلال من كل جانب .. فعلاوة على ما خلفه الحرب في شوارعها ومنشآتها وكل ما يتعلق ببنيتها التحتية من دمار وخراب فقد عمدت قوى الاحتلال الأربع إلي تفكيك جميع مصانعها بالكامل لتوزعها فيما بينها ،أضف إلي ذلك أراضيها التي استقطعت أجزاء كبيرة منها لتضم لروسيا وبولندا ، ثم في النهاية وجدت ألمانيا نفسها دولة من شطرين ، شطر للغرب والآخر للشرق .

في هذا الوقت كانت الدول العربية قد دخلت مرحلة ما بعد انجلاء الاستعمار وتحديداً بين عامي 1945و 1949 م وهي الفترة التي ظلت فيه ألمانيا تحت وطأة الاحتلال ، وكانت ( أي الدول العربية ) في وضع أفضل بكثير من وضع ألمانيا المدمرة كلياً .. والمفترض حسب هذا المعطى أن تحقق الدول العربية أسبقية التقدم الزمني والتطور المهني قبل ألمانيا أو على الأقل تكون في وضع أفضل مما هي عليه الآن ، لكن دوران الأنظمة العربية حول نقطة الصراع على مكتسبات الثروة ولذة التسلط من جهة وتجاهلها لأسباب التنمية والارتقاء من جهة أخرى أخرجها عن جادة الطريق تماماً ، في الحين الذي أخذ الألمان فيه ينفضون عن ثيابهم قذارة التاريخ وعن كاهلهم أوجاعه بتصميم العازم على العودة من جديد لذروة المشهد ، إنما عبر مسلك جديد ومختلف .. مسلك العلم والعمل فقط المتزامن مع البناء والتشييد سيما فيما يخص تقنيات التصنيع ، ولم تمض سوى 11 عام عن توقيع كايتل حتى أصبح عدد الألمان الذين فازوا بجائزة نوبل عام ( 1957م ) : 3 في السلام ، و7 في الأدب ، و10 في الطب ، و15 في الفيزياء ،و22 في الكيمياء ، بل وفي غضون 10 سنوات أخرى أضحت عبارة ( صنع في ألمانيا ) على وجه أي سلعة سبباً كافياً ومقنعاً لكل شخص على وجه الأرض لأن يشتريها من دون تردد .



عبدالرحمن آل فرحان
adalshihri@gmail.com
@ad_alshihri : twitter
 0  0  6762