ماذا لو تحدّث الجوّال وأفضى بأسراره؟
ماذا لو تحدّث الجوّال وأفضى بأسراره؟
د. فايز بن عبدالله الشهري
ماذا لو تحدث الجوال فأخبر سائله عن كل مخزونه القديم والجديد؟ سؤال افتراضي ولكن في عالم التقنية لا غريب ولا عجيب. قبل أشهر كنت مشاركا في تدريب مجموعة من كبار القياديين التنفيذيين في إحدى المؤسسات ضمن حلقة تدريبية تدور موضوعاتها حول إساءة استخدام التقنيات الحديثة وسبل التعامل مع وسائط الإعلام الجديد. كان القياديون في بداية المحاضرة الأولى يتحدثون بحماس وانا استمع عن "خطر" هذه التقنيات وعن طيش "الشباب" وكيف حوّلوا هذه التقنيات إلى وسائل لهدم "القيم" وترويج المواد "الإباحية" والعلاقات المحرّمة والرسائل الطافحة بالعنصرية والبذاءة ونحو ذلك.
ولما انتهت المجموعة من سرد ما لديها وهدأت القاعة نهضت وطلبت من المتدربين أن يضعوا هواتفهم الجوالة على الطاولات أمامهم وبعد ان تردّد أكثرهم وأمام إصراري المتكرّر وضع الجميع أجهزتهم الأنيقة الحديثة أمامهم على الطاولات. أفرغت حقيبتي من محتوياتها ثم بدأت في جمع الجوالات ووضعها في حقيبتي ولم أكد اصل إلى صاحب الجوال الرابع حتى علت الأصوات والهمهمة تتساءل عمّا أريد من جوالاتهم. توقّفت بعد تزايد حالة التذمّر والاستغراب من تصرفي وقلت لهم: سأجمع أجهزة الجوال الخاصة بكم وسأضعها أمامكم على طاولتي وعبر جهاز العرض سنستعرض جميعا كل جوال على حدة لنرى كيف وظّفنا نحن العقلاء الكبار مثل هذه التقنيات. لم تتوقف احتجاجات المجموعة التدريبية بل وصاحبها بعض التعليقات غير الودّية كان أعلاها صوتا قول أحدهم: موافقون شريطة ان يكون جوالك ضمنها، فأجبتهم بالموافقة. فردّ احدهم ربما أنت مستعد لهذه التجربة فحذفت بعض محتوى جوالك. فأجبته لا مشكلة الحل بسيط فأنتم حين تسمحون لي باستعراض محتوى كلّ جوال سأبدأ استعراض محتوى الجوالات منذ ساعة شراء الجهاز. وشرحت لهم إمكانية إعادة بناء معظم الملفات المحذوفة في كل الجوالات المشاركة في التجربة عبر برامج خاصة في جهاز الحاسب المحمول معي مؤكدا أنني سأبدأ بجوالي أولا ثم جوالاتهم.
ساد القاعة هرج يصاحبه نبرات استياء متصاعد ثم بدأت النقاشات الجانبية بين المشاركين انتهت بتطوّع احدهم قائلا: حسنا هناك صور ومقاطع عائلية كيف الحل معها فأجبته سنسمح لكل مشارك بحق الاعتراض على عرض 20 صورة ثابتة ومثلها من الأفلام و30 رسالة نصية. عاد الضجيج مرّة أخرى وكأن التجربة لم ترق لأحد منهم وكان واضحا أن لا أحد يريد خوضها فنظرت إلى ساعة القاعة وقلت للمتدربين شكرا لكم لقد انتهت المحاضرة الأولى.
نعم بأيدينا صنعنا صورتنا وبطريقة تفكيرنا نرسم منهج حياتنا، ألسنا نحن من يُنتج ويتداول - على مدار الدقيقة - ملايين الرسائل والمواد التي تشكّل محتوى الإعلام الجديد ووسائط التقنية؟ لماذا لا نعترف بأننا نتحدّث عن سلبياتها وننسى أنّنا نحن من يصنع المحتوى ونحن أيضا من يتلقى آثاره. إذا أردنا تخفيف سلبيات التقنية فلنبدأ من الجوال وبجواب سؤال واحد: ماذا لو تحدّث الجوّال وأفضى بأسراره؟
* مسارات..
قال ومضى: ضياع القيم أغنيته (وموّاله).. ماذا لو تأمل يوما محتوى (جواله)..
* صحيفة الرياض