×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

أزمة الثقافة المحلية

أزمة الثقافة المحلية



الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على بنينا محمد و آله الطيبين , أما بعد:
المتتبع للحركة الثقافية والتي تتولى شأنها الأندية الأدبية واللجان الثقافية المنبثقة عنها يجد إحجاماً عن حضور أنشطة هذه المنتديات والمساهمة في إنجاح برامجها إذا ما قيست بغيرها من الأنشطة الدعوية والاجتماعية والتجارية والرياضية كالمحاضرات الدينية والحفلات الشعبية والمهرجانات السياحية والمباريات الرياضية.
ولا شك أن الثقافة المحلية في المملكة العربية السعودية يواجهها مجموعة من التحديات والعقبات متى استطعنا تشخيصها والتعرف عليها وتحديد مسبباتها استطعنا ــ بحول الله وقوته ــ أن نضع مجموعة من الحلول والأساليب لمعالجتها , أوعلى الأقل التخفيف من حدتها , ومن هذه التحديات:
أولاً: عدم وجود تعريف إجرائي دقيق للثقافة: حيث يعتقد الكثير من الناس أن الثقافة تعني مقدار ما يعرفه الإنسان من المعلومات أي: معرفة شيء عن كل شيء كما يقولون , ويعتقد آخرون أن الثقافة تعني ما ينتجه الأدباء والشعراء من كتب ومقالات وقصائد وروايات ومسرحيات ... وهذا الفهم الضيق والمتعدد للثقافة من أسباب عزوف الناس عن أنشطتها.
ثانياً: ارتباط مفهوم الثقافة في أذهان كثير من الناس بمخالفة القيم والمعتقدات الدينية: ويعود السبب في ذلك إلى ما جره للثقافة من يسمون بالمثقفين من الأدباء الذين أدخلوا بعض الأفكاروالنظريات إلى المجتمع المسلم مرة باسم الحداثة , ومرة باسم الليبرالية , وأخرى باسم العولمة , ومرة باسم حقوق المرأة مما كان سبباً في الرد عليهم من قبل العلماء والدعاة وبالتالي نفور الناس من أي شيء تحت مسمى الثقافة ؛ لتخوفهم من أن يؤثر هذا المد على قيم المجتمع المسلم وعاداته وتقاليده العربية الأصيلة.
ثالثاً: اعتقاد كثير من الناس أن حضور هذه المجالس واللقاءات الثقافية سيظهر أمام الناس قلة معلوماته , وضعف اطلاعه , وهذا العامل النفسي نابع من المفهوم السابق للثقافة في نظر كثير من الناس وارتباطها بحجم المعلومات والمعارف التي يمتلكها الإنسان , ومن طبيعة الإنسان البشرية أنه لا يريد أن يظهر أمام الناس بصورة تقلل من شأنه , أو تحط من قدره , وتظهره بصورة المتأخر عن مواكبة المجموعة التي يجالسها , أو ينتمي إليها.
رابعاً: اعتقاد كثير من الناس أنه لا يمتلك من مقومات المثقف الحقيقي شيئاً فلا هو شاعر ولا كاتب مقالة ولا رواية ولا مسرحية , وبالتالي فإن حضوره هذه المجالس الثقافية لا يضيف إليها شيئاً , أو بمعنى أوضح لا فائدة منه , وهذا أيضاً نابع من فهمه للثقافة على أنها محصورة في هذه الفنون فقط.
خامساً: إن أزمة الثقافة المحلية جزء من أزمة الأمة الفكرية والحضارية ومن أبرز أسبابها: عزوف الناس عن القراءة , وضعف الجدية في التحصيل الدراسي , وضعف الاهتمام بالبحث العلمي , وانصراف اهتمام الناس إلى القنوات الفضائية والأجهزة الذكية والإنترنت بما تقدمه من وسائل تسلية وترفيه وألعاب ورسائل ووسائط فيديو تفتقر إلى العمق الثقافي , و تركز على القشور.
سادساً: أزمة المحتوى: وذلك حينما يحضر المتلقي إلى بعض ما يقام في هذه الملتقيات الثقافية فيجد نفسه أمام موضوعات مكررة أو مستهلكة , أو موضوعات جديدة ولكنها بعيدة كل البعد عن واقعه , ولا تلامس مشكلاته الحقيقية مما يجعله يندم أحياناً على الوقت الذي قضاه في الاستماع لهذه المحاضرة , ويعزم على عدم الحضور بل ويحرض غيره أحياناً على ذلك.
سابعاً: أزمة النخبة المثقفة (القيادات الثقافية):
وذلك حين تكون علاقة النخبة بالجمهورعلاقة خاملة ساكنة منغلقة فيها نوع من الغرور والاستعلاء , فالمثقف في بعض المنتديات الثقافية لا يسمح لأحد بمشاركته على الأقل في تقديم أوإدارة الحوار, ولا يسمح لأحد بمناقشته أو نقده أو الاعتراض عليه , ومن مظاهر أزمة المثقفين ما يحصل بينهم من التحاسد والتغاير على مواقع الصدارة ومنصات الحديث مما يجعل الجمهور ينظر إليهم نظرة ازدراء وبالتالي ينسحب من حضور جلساتهم المنغلقة على أنفسهم , أو المفتوحة من أجل الشهرة والتصدر؛ وهذه المشكلة هي السبب الحقيقي وراء تكرار نفس الوجوه في أي محضر , أو حفل , أو مناسبة ؛ لأن الوجوه الجديدة أو الخجولة أو التي نأت بنفسها عن حب الأضواء لا تجد فرصة مع مثل هذه القيادات الثقافية المستبدة.
وبعد أن استعرضنا الأسباب والمشكلات القائمة وراء ضعف الإقبال على الأنشطة الثقافية المحلية سواء من قبل المثقفين أنفسهم , أو من قبل الجمهور سنحاول في هذا العرض الموجز السريع الإجابة عن السؤال الأهم : كيف يمكن النهضة بالحركة الثقافية المحلية , والتخفيف من حدة الأزمة التي تعيشها؟
لا شك أن الإجابة ستكون مبنية على معالجة الأسباب سالفة الذكر, ومحاولة الحد من تأثيرها على سير عجلة التنمية الثقافية والفكرية المحلية , ومن ذلك:
أولاً: الاتفاق على تعريف إجرائي موحد للثقافة , ونشره بجميع وسائل النشر الممكنة بحيث يعرف المتلقي ماذا يراد بالثقافة ؟ ما أهدافها؟ وما محتواها؟ وماهي الموضوعات أو المجالات التي يمكن أن تتطرق إليها , وتبحث فيها , وتقدمها للمتلقين؟ , فالثقافة بمفهومها العام جميع ما تنتجه الأمة من علوم ومعارف وفنون ونظم وأساليب حياة , فهناك الثقافة الدينية والثقافة الاجتماعية والثقافة الاقتصادية والثقافة السياسية والثقافة الصحية...
فالثقافة بهذا المفهوم تكاد تكون مرادفة للحضارة التي تبدأ وتنطلق أساساً من المعرفة حيث لا يتصور عاقل أن الحضارة أبنية وجسور وطرق وآلات وأجهزة فقط ...الحضارة كلمة تطلق على كل ما ينتجه المجتمع من معارف وأفكار وقيم ومهارات واتجاهات وما يقدم من منجزات وأدوات لعمارة الأرض وخدمة الإنسان , ويمكن التفريق بين الحضارة والثقافة بتركيز الأولى على الجانب المادي والثانية على الجانب النظري من المنتج الإنساني والإرث القيمي لأي مجتمع.
ثانياً: توثيق العلاقة وتقوية الروابط بين العلماء والدعاة والقائمين على التوعية الإسلامية وبين الأندية الأدبية واللجان الثقافية بحيث تستضيف الأخيرة في مقراتها العلماء والدعاة والمصلحين , وتتيح لهم الفرصة في الحديث في لقاءاتها والمساهمة في حل مشكلاتها , ومن ذلك إقناع الناس من قبل هؤلاء المؤثرين بحضور هذه الفعاليات والمساهمة فيها , فالثقافة الإسلامية هي حجر الأساس والقاعدة التي ينطلق منها الإنسان المسلم في نظرته للأشياء وحكمه عليها , وتصوره للكون والإنسان والحياة , وهي لا تعارض أي ثقافة أخرى (اجتماعية , اقتصادية , تجريبية , تنظيمية ...) أياً كان مصدرها إذا كانت لا تتعارض مع قيم الإسلام وتعاليمه السمحة.
ثالثاً: حصر المبدعين والمثقفين والهواة وأصحاب المواهب ومحاولة استقطابهم , وتقديم بعض برامج التهيئة والتأهيل لهم , وتحميلهم بعض المسؤوليات ــ كل حسب استطاعته ــ وإعطاؤهم الفرص الكافية حتى يصبحوا أعضاء فاعلين في حركة التنمية الثقافية والأدبية والفكرية المحلية.
رابعاً: توثيق العلاقة بين الأندية الأدبية واللجان الثقافية والمؤسسات التعليمية المتمثلة المدارس والجامعات والمعاهد العلمية ومراكز التدريب بحيث توضع خطة لاكتشاف المواهب في هذه المؤسسات وتنميتها ورعايتها , وتقديم العون والمشورة لها , وتعريفها على الأندية الأدبية واللجان الثقافية وزيارتها في مقراتها , والتعرف على أنشطتها , وما يمكن أن تقدم لها من دعم وتشجيع.
خامساً: التركيز على نوعية البرامج المقدمة للجمهورمن حيث تنويعها وكونها تلامس همومهم وتطلعاتهم الحقيقية , وأن تتاح لهم الفرصة في اختيار ما يقدم لهم عن طريق التصويت مثلاً بعد كل لقاء , أو التصويت في المواقع الإلكترونية , كما يجب أن تتاح الفرصة للجمهور للتعليق والرد على ما يطرح في إطار من الاحترام المتبادل وتقدير الاختلاف والتنوع في وجهات النظر بحيث لا تمس الثوابت الدينية.
سادساً: توثيق الصلة مع الإعلاميين لاستغلال جميع وسائل النشر الممكنة (ورقية وإليكترونية) للتعريف بالأندية الأدبية واللجان الثقافية ومنجزاتها , والتواصل مع أعضائها , ونشر ما يحصل في لقاءاتها من محاضرات وندوات , واستقطاب أفضل الكتاب لتحرير تقاريرها الإخبارية ومطبوعاتها.
سابعاً :مشاركة الأندية الأدبية ولجانها الثقافية في أنشطة المجتمع المختلفة , وتوثيق العلاقة مع المجتمع بحيث لا يقتصر عملها على المحاضرات والأمسيات التي تقام في كل أسبوع او شهر في صالة مغلقة قد لا يحضرها إلا عدد قليل من المهتمين , بل ينبغي أن تخرج للمشاركة في المناسبات المختلفة الرسمية وغير الرسمية كالمشاركة في الاحتفالات العامة , والمهرجانات السياحية والتجارية , وإقامة بعض اللقاءات الثقافية في المتنزهات العامة وخاصة في فصل الصيف والإجازات , وإقامة الخيمة الرمضانية وغيرها مما يمكن أن تعمله للتواصل مع المجمع , وكسب دعمه وثقته.
هذا وبالله التوفيق , والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

عبدالله مرعي الشهري
مكتب التربية والتعليم بتنومة

 0  0  6826