×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

لاتعطني سمكة بل علمني كيف أصطادها

لاتعطني سمكة بل علمني كيف أصطادها


توفيق الأسمري

حكمة صينية أعجبتني تقول: لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطادها..!

شعب الصين شعب المليار وأزود، زرتها مرتين.. في كل زيارة أرى عجبا..!

هنالك إحصائية تقول أن عدد مستخدمي الإنترنت في الصين يفوق 340 مليون شخص، أي أكثر من عدد سكان الوطن العربي مُجتمعاً..!

عجباً لشعبٍ لا يعرف للإسلام إلا اسمه، ومع ذلك فإنه يطبق جزءاً كبيراً من تعاليمه لا اقتناعاً به وإنما الفطرة، والأنظمة التي شُرّعت عليهم فنفذّوها بحذافيرها..

فهم شعبٌ يحب العمل بتفاني.. ويعشق المغامرة.. عملهم دءوب لا يتوقف.. تراهم في الطرقات وكأنهم نمل يمشي على الأرض بلا كلل ولا ملل..!

لا أحد ينظر إليك ويتأمل في ملامحك أأنت عربي أم أعجمي..! فهذا لا يهمهم.. همّهم أن يخلصوا في عملهم وأن ينتجوا.. تجدهم حريصون على العميل وذلك بالترحاب به بعبارتهم المشهورة (ني هاو).. وتقديم العينات على طاولة مع مشروب مُحبب للعميل.. مع حرصهم الشديد على رضى العميل وتقديم ما هو أفضل كسباً لرضاه أولاً وتسويقاً لبضاعتهم..

فقد تجاوزوا كل العقبات وقاوموا كل الصّعاب حتى وصلوا إلى القمم في الصناعات بتفانيهم واجتهادهم ومغامراتهم المستمرة.. رغم ما قيل عنهم عن رداءة صناعاتهم إلا أن لديهم جودة في كثير من صناعاتهم ما يُضاهي الصناعات الألمانية والإيطالية واليابانية.

جُل بفارتك (الماوس) وتصفح بالإنترنت في دليل مصانع الصين..! ستنبهر من وجود كل ما تشتهي نفسك من الصناعات فحسب.. وليس من أنواع الأرز ورز أبو كاس التي طغت به لوحاتنا الدعائية مع الأسف..!

إنني وقفت حائراً في أسواق الصينيين بماذا أبدأ وبماذا أنتهي.. البعض منكم يقول أنني أبالغ في الوصف.. فلا عجب فقد كنت من أولئك الذين يقولون هذه العبارة.. وبعد الزيارة والانهماك في التسوق والتبضع وجدت الأمر مختلفٌ تماماً وكأنني في كوكب آخر..!

ولينظر أحدنا إلى نفسه فلسوف يبصر أن قبعته وقميصه، وحذاءه ومطرقته والكمبيوتر، وقطع الغيار والملابس الداخلية، كلها منقوش عليها صنع في الصين..

لقد كانت الصناعات الصينية قبل 25 عاما رخيصة من نوعية رديئة، ولقد أساء بعض رجال الأعمال في ترويج السلع الصينية حيث يتبضّعون من أردى السلع (أبو كلب) حتى شاهت سمعتها..! أما اليوم فقد تغيرت الحال بعد انفتاح الصين، ولسوف تتغير أيضا سياسيا، ولقد قال نابليون يوما إذا استيقظت الصين ارتج العالم..!

أنا لا أسوّق لهذا البلد وإنما أحب دائماً أن أقارن بهذا البلد وببعض البلدان العربية التي لم تفكر أن تنهض بصناعاتها واستثمار شبابها.. رغم توفر مواد الخام (البترول) والأيدي العاملة والمساحات الهائلة.. لكن مع الأسف التفكير لدى شبابنا شبه معطّل..!

شاهدوا الأيدي العاملة خصوصاً في بلدنا كم تحصد من الملايين وإن قلت المليارات فلن أبالغ..!! حيث تقوم هذه العمالة بتحويلها إلى بلدانهم ونحن نقف مكتوفي الأيدي مستسلمين لهم ولهذا الواقع المرير..!!

أتمنى أن نزرع ثقافة حب العمل والنهوض بالبلد في أبناء جلدتنا والسعي الحثيث لتوفير كل طاقات العمل لهذا الجيل الصاعد حتى في مناهجنا كي لا يتربى جيلنا على البطالة والإتكالية..!! وكما قال المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم: (اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم)..

نحن في زمن مختلف تماماً عمّا كان عليه آبائنا وأجدادنا.. زمن التقنية والتكنولوجيا والأجهزة الحديثة.. وشبابنا مبدع مع هذه التقنية فأين استثمار مثل هذه التقنيات في مصلحة البلد..!!

أنا متفاءل جداً في شبابنا وفي إنتاجيتهم فهم مبدعون إن اجتهدوا وفكروا مليّاً للنهوض ببلداننا العربية إلى أعالي القمم والاستغناء عن البلاد الأخرى في الصناعات.


توفيق الأسمري
كاتب صحفي وإعلامي

 0  0  2314