الحكم والبطانة
ليس هناك حاكم في الدنيا يستطيع الإلمام بكل هموم شعبه وقضاياهم ما لم يكن الفريق الذي يعمل معه وكل بطانته صالحين وأمناء على نقل الصورة المجردة من النفاق والتضليل.. وما لم يكن وزراؤه على مستوى من تنفيذ خطط الدولة وإصلاحاتها وتوجيه نفقاتها دون فساد داخل أو خارج الوزارات وفروعها. وصولاً إلى المؤسسات الحقوقية والعدلية من خلال دوائر القضاء.
هذه المسلَّمات في منظومة الحكم إذا أصابها اختلال في مستوى الأداء فإنها في النهاية مصادر خطيرة جداً للإساءة إلى نظام الدولة بل ممارسة تعمل على انعكاس الرؤية تجاه الدولة وهرم الحكم المتمثل في صانع القرار الذي أعطى لهؤلاء الثقة وحملَّهم أمانة الشراكة في هموم شعبه طبقاً للقسم الذي اخذه عليهم أمام الناس. وحين تتوسع دائرة الاختلالات في الأداء الحكومي وتتعدد محطات الفساد تبدأ معها عملية توسيع نطاق التذمر الشعبي.. ومعها ايضا تبدأ مزايدات دعاة الفتنة وطوابير المنهج السياسي الخفي في الداخل وفي الخارج لاستغلال كل هذه المعطيات السلبية التي تمثل اقوى سلاح يمكن استخدامه وتطوير "شحناته" داخل شرائح مستهدفة من فئات الشعب استعداداً لتغيير يطيح بالحاكم ولكنه يدخل الأرض والإنسان إلى نفق مظلم والى مستقبل مجهول مستقبل يفتح الباب لتقاسم الولاءات الحزبية والفوضى والمزايدات التي لا تنتهي.
هكذا كان مشهد ما بعد الربيع العربي الذي وان صفق له الكثير لكن هذا الكثير لم يحص القتلى ولم يدرك حجم الانعاكسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لانهيار مؤسسات الدولة والأهم من كل هذا وذاك ان السماء لم تمطر ذهباً بعد التغيير سواء مات الحاكم أو بقي رهن الاعتقال. أو تم تمزيق جثمانه!! بقدر ما تم اختطاف الوطن من قبل طوابير من الأحزاب والعناصر المختلفة وأصحاب طموحات متعطشة للسلطة.
هنا ليس دفاعاً عن حاكم سقط وآخر بقي.. ولكنها قراءة للمشهد الذي فاقت عليه موجة الفوضى الخلاقة.. ومن الناحية الأخرى إنصافاً لحقيقة مؤكدة تقول: ان الحاكم ليس كل شيء في مفاصل الحكم ما لم تكن منظومته الوزارية وبطانته قادرة على المشاركة في دعمه وتقديم النصيحة والمشورة ونقل حقيقة ما يجري من تلك الاختلالات في مستوى الأداء داخل مؤسسات الدولة بعيداً عن اسلوب العلاقات العامة والمصالح الذاتية.
وهذا الجانب الأخير كان من اسباب سقوط عناوين تركت خلفها ثمناً باهظاً لم يؤد إلى وقوف الأوطان والأمة على ما هو أفضل من الناحية التنموية والاجتماعية بقدر ما ارتهنت التجربة للصراعات السياسية وتصفية الحسابات كل على طريقته أمام شعوب أدركت في مجملها انها قد دفعت ثمناً لشعار لم يأت بما كانت تنتظر.
وبالتالي فإن تجديد الدماء والرقابة الصارمة على الأجهزة التنفيذية داخل المؤسسات الحكومية في الدول العربية وتفعيل العدالة الاجتماعية واهمية تضحية الحاكم بمن يخذله أمام شعبه هي الحصانة للحاكم ولوطنه وأمته من أي استغلال يؤدي إلى الفتنة تحت تأثير التجربة في أي بلد عربي آخر.
ناصر الشهري
مدير تحرير صحيفة البلاد
NSR2015@hotmail.com
Twitter:@NasserALShehry