×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

في اليابان: التفاصيل الصغيرة أولاً

د. فايز بن عبدالله الشهري

لم نتفاجأ بالدقة اليابانية في كل شيء ونحن نشارك تحت مظلّة ما يمكن أن أسميها بالدبلوماسية العلمية الثقافية التي نجحت وزارة التعليم العالي السعودية في تنظيمها بامتياز مع بعض الجامعات والمؤسسات اليابانية. كان البرنامج العلمي منوعا في أكثر من مكان وكان بالنسبة للمدينة اليابانية الجادة "اوساكا" حدثا بارزا انعكس على الصحافة وتصدر نشرة الأخبار الرسمية في التلفزيون ثلاث مرات. كان الوفد العلمي السعودي يضم نخبة من الأكاديميين السعوديين من الجنسين الذين اثروا محاور المناشط العلمية كل في مجاله وأعطوا وجها آخر للعلاقات السعودية اليابانية، كما أشار اكاديمي ياباني في حواره معنا.

وعودا على موضوع الدقة اليابانية التي لمحناها في كل مظاهر الحياة لتختصر بكل وضوح سر التميز الياباني الذي يمكن تلخيصه في أهمية "التفاصيل الصغيرة" لتحقيق النجاح بل والتفوق. كانت الدهشة تلي الدهشة بدءا من الحديث الودي مع موظفي الهجرة وهم يسألون أسئلتهم ويتركون لك التمتع بتقسيط الجواب منتظرين باسمين وكأنهم يتسولون منك الكلام. وحين يستقبلك على بوابة المطار رجل بكامل أناقته ويحييك بانحناءته فلا تظنه مدير الجامعة المستضيفة وإنما هو سائق السيارة التي تنتظرك لتقلك إلى الفندق. كل شيء هنا يسوده النظام وكل شخص تظنه نموذجا وحيدا في التهذيب واللباقة. هنا على جنبات الطريق ترى العلامات النافرة بتأنق على الأرصفة وحين تسأل يقولون لك هذه لإرشاد المكفوفين وتسأل عن عددهم فتجد العدد في الحدود العالمية.. حسنا ولماذا كل هذه العلامات فيجيبونك هؤلاء وان قلّوا لهم الحق في طريق آمن.

وفي مجال التجارة في الأسواق ترى الناس يجيئون ويذهبون في انتظام مسارات كل يعرف متى يسلك جانب الممر الأيمن أو الأيسر وترى الدراجات تخترق الجموع في انتظام ومرونة لأن لها نظامها الخاص ومساراتها التي لا يخطئ فيها السائق ولا الماشي على قدميه وسط الزحام. تسأل صاحب المتجر عن وظائف الجهاز الذي تنوي شراءه فيستمهلك قليلا ثم يأتي ومعه اثنين وثلاثة ليشرحوا لك بكل خجل وصبر كافة التفاصيل وحين تسأم من تفاصيلهم فلا تعجب حينما ترى إصرارهم على شرح كل شيء لك بلا ملل.

في ندوة "دور الإعلام في الحوار الثقافي السعودي الياباني" تناولنا دور الإعلام الجديد وحواجز اللغة والثقافة، ولم يكن رفيق الجلسة الدكتور فهد الطياش محاضرا مبدعا فقط بل لفت نظر المشاركين إلى وظيفة "الانميشن" الياباني في نقل القيم متسائلا عن الوظيفة الثقافية لهذه المنتجات في الحوار الحضاري. بعد الندوة مسؤول شركة ياباني يسأل عن كيف يمكن الاستفادة من التراث السعودي والعربي في هذه الألعاب الإلكترونية ثم تساءل متعجبا: كيف لم يثر مثل هذه المسألة شركاؤنا التجاريون من المملكة؟ فوعدته أن اسأل ذات السؤال عند عودتي لبلادي. هذه الدقة اليابانية رأيت روحها في فريق عمل تنظيم الملتقى من الجانب السعودي من الزملاء في وزارة التعليم العالي والملحقية الثقافية الذين كانوا نموذجا سعوديا متميزا لعمل الفريق، والأجمل سفراؤنا في اليابان واعني بهم الطلاب المبتعثين الرائعين الذين أضافوا بحضورهم وشبابهم حيوية وألقا طيلة أيام الفعاليات.

** مسارات:

قال ومضى: فتّش عن التفاصيل فعظمة الأمم لا تتجزأ.
 0  0  6730