×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

عَبْلَةْ خالد الفيصل

عَبْلَةْ خالد الفيصل




حين نتوقف عند المحطات التاريخية في ذاكرة الجزيرة العربية نجد ان الكثير من الارث الثقافي قد واجه الاهمال نتيجة التصادم الفكري في نسيجه المرحلي .وذلك في ارتهان لخطابات دينية وسياسية وقبلية أدت إلى المصادرة والمخاوف من اطروحات قد تنال من ولاءات غبية ألقت بظلالها على الانتاج الثقافي .وفرضت نمطاً من التناول القسري للأحداث التاريخية من جهة ولعناصر الإبداع من الجهة الثانية طبقاً لمتغيرات المراحل المتعددة ورؤيتها لمحاور الطرح وذلك في ظل التابو الديني الذي كان له الدور الأكبر في سلسلة المحرمات خارج العقيدة. وكان للأخير تأثيره في مصادرة خدمة الأدب العربي من خلال رؤية خدمة "التجهيل" في عصر مختلف وهو ما كرس تشريع تلك الرؤية وجيّرها لتشمل ايضا عصور التنوير . فكان توريث هاجس الخوف هو الذي "اعتقل" المخزون التاريخي عند المثقفين العرب.
تذكرت كل ذلك وغيره وأنا أقف في جناح عنترة بن شداد في سوق عكاظ بالطائف واستمع الى "سيمفونية" قام بإعدادها أحد الموسيقيين الروس . جسد فيها الجانب العاطفي وقوة الفروسية في صورة وصفية لأصداء الكلمة التي تعكس شخصية عنترة بن شداد كواحد من أبرز شعراء التاريخ.. سيمفونية في أقل من دقيقة واحدة لكنها تختصر التاريخ.. وتكتب قصة رجل كتب للتاريخ قصة لا تموت.
عندها تذكرت ان الفنان الروسي هو امتداد لأولئك المستشرقين الذين خدموا تاريخ الجزيرة العربية سواء في مسيرتها الثقافية أو السياسية . وعملوا على توثيق تحولاتها ومخزونها من الموروث بكل آدابه وفنونه . وهو ما لم يفعله العرب حين نقف على حجم المقارنة والانتاج ومجالات البحث. إلاّ من بعض عناصر أدباء المهجر الذين قدموا شيئاً من الجهد المتواضع الذي تمت صياغته في اجواء من الحرية المؤقتة . لكنها أخذت في الاعتبار خطوط العودة والهروب من الأسئلة المستمدة من دوائر المحاذير.وهي أسئلة قد تقود اجوبتها الى السجون ان لم يتم الاعتقال بلا سؤال!! وهو ما فرض مسافة التناول وحجم الإبداع ما بين المثقف العربي ونظيره المستشرق منذ زمن بعيد.
لكني سأعود هنا إلى المشهد في مكانه وزمانه.. لأقول: ان سوق عكاظ اليوم قد برز في صورة منجز كبير للثقافة العربية وذلك بخطاب يعيد ذاكرة التاريخ في جوانبه الإنسانية والإبداعية ومعالم نهضة امة يرى الأمير خالد الفيصل انه يجب ان تأخذ من تاريخها ما صفا.. وتدع ما تعكّر ومن هنا لا ابالغ إذا قلت ان خالداً سيبقى في ذاكرة الثقافة العربية فكراً يعانق منجزاته التنموية.وكأني به يخاطب اسواراً فرضت العتمة والتغييب الثقافي العربي بالقول:
يا جدار الحزن لا انت
ولا ظلك يبقى
انما تبقى بلادي وحبيبي
وزغاريد الطيور
انه الرجل المذهل الذي يعزف له كل مشروع سيمفونيته الخاصة.
وإذا كان عنترة بن شداد قد هام في حب عَبْلَة عاشقاً , فإن "عَبْلَة خالد الفيصل" هي هذه الأرض التي ارتوى حباً بتضاريسها لتكون ثمن عمره فارساً وشاعراً وفناناً يرسم ابتسامة ثغرها وبريق سيوفها لرؤية القادم الأجمل لأجيالها.

ناصر الشهري
NSR2015@hotmail.com
Twitter:@NasserALShehry
 0  0  2234