"بطليموس" العرب!
من هو البتاني؟
البتاني، هو أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان الحراني المعروف باسم "البتاني"، وهو فلكي ومهندس عربي.
كان البتاني صابئياً ولد في بتان نواحي حران وتوفي في العراق سنة 929.
في أي المجالات اشتهر؟
يُعدُّ البتاني من عباقرة علم الفلك في العالم، وكذلك من عباقرة علمي الجبر وحساب المثلثات، وهو من الذين أسدوا خدمات جليلة لتطور العلوم الرياضية عبر التاريخ البشري. فقد اشتهر برصده للكواكب والأجرام السماوية، وبالرغم من بدائية الآلات التي استعملها فقد توصَّل لنتائج مذهلة ما زالت محطّ إعجاب العلماء ودهشتهم، وبقيت جداوله الرياضية وبراهينه الهندسية من أهم المراجع حتى بداية القرن الثامن عشر.
ماذا قالوا عنه؟
لقد اعتبره كل من (كاجور) و(هاليه) من أعظم علماء الرصد، وسمَّاه بعض الباحثين "بطليموس العرب"، وفيه قال (سارطون): "إنَّ البتاني من أعظم علماء عصره وأنبغ علماء العرب في الفلك والرياضيات"، في حين قال عنه العالم الفرنسي الشهير (لالاند): "إنَّ البتاني من العشرين فلكياً المشهورين في العالم كله".
الإنجاز
منجزاته في علم الجبر
يعد البتاني أول من أدخل مصطلح الجيب (Sinus)، والعارفون بعلم المثلثات (Trigonometrie) يدركون جيداً أهمية هذا الإنجاز، ويرون فيه ابتكاراً ساهم كثيراً في فهم علم المثلثات، وتقول العالمة الألمانية (زيغريد هونكه) في كتابها "شمس العرب تسطع على الغرب": "إنَّ مصطلح الجيب قد دخل إلى رياضيات كل شعوب العالم بعد ترجمة كتاب البتاني."
كما أنه هو من أوجد مصطلح جيب التمام (Cosinus)، وهو من استخدم الخطوط المماسة للأقواس (Tangentes)، وظلال التمام (Cotangentes)، والقواطع (Secantes)، وقواطع التمام(Cosecante) ، وأدخلها في حساب الأرباع الشمسية وفي قياس الزوايا والمثلثات، كما أوجد العلاقات فيما بينها ونظَّم جداول هامة بهذه العلاقات.
إضافة إلى ذلك يعد البتاني هو من استنبط القانون الأساسي لاستخراج مساحة المثلثات الكروية، واستطاعت عبقرية هذا العالم أن تحلَّ بعض العمليات الحسابية وبعض النظريات بطرق جبرية وليس بطرق هندسية، كما كان يحلّها من سبقه من العلماء العرب واليونانيين، مثل تعيين قيم الزوايا بطرق جبرية، وكان هذا ابتكاراً أضيف إلى الكثير من الإضافات التي أدخلها العرب في علم المثلثات، وإليهم يعود تأسيس هذا العلم الهام.
منجزاته في علم الفلك
ترك البتاني عدة مؤلفات في علوم الفلك والجغرافيا، وأهمها على الإطلاق "كتاب الزيج الصابي" الذي يعتبر من أصلح الزيج التي وصلتنا من العصور الوسطى.
إضافة إلى ذلك فقد أصلح البتاني قيمة الاعتدالين الصيفي والشتوي، وكذلك حدَّد قيمة ميلان فلك البروج على فلك معدل النهار، (أي: ميل محور دوران الأرض حول نفسها على مستوى سباحتها حول الشمس)، ووجد أنه يساوي 23 درجة و35 دقيقة، وتبين حديثاً أنه أصاب في رصده إلى حدِّ دقيقة واحدة، وكذلك حدَّد طول السنة الشمسية رغم بدائية الآلات التي استخدمها فكانت نتائجه 365 يوماً و5 ساعات و46 دقيقة و24 ثانية، وأخطأ بالنسبة للحسابات الحديثة بدقيقتين و22 ثانية فقط.
لقد تحقق البتاني من مواقع كثير من النجوم وصحَّح بعض حركات القمر والكواكب السيارة، وخالف بطليموس بثبات الأوج الشمسي، وأقام الدليل على تبعيته لحركة المبادرة الاعتدالية، واستنتج من ذلك أنَّ معادلة الزمن تتغيَّر ببطء شديد على مر الأجيال، وأثبت على عكس ما ذهب إليه بطليموس بتغيّر القطر الزاوي الظاهري للشمس واحتمال حدوث الكسوف الحلقي.
لقد اعتمد (دنثورن) سنة 1794 في تحديده لتسارع حركة القمر خلال قرن من الزمن على نتائج أرصاد البتاني في الكسوف والخسوف والتي أجراها في الرقة وأنطاكية.
مؤلفاته والزيج الصابيء!
ترك البتاني عدداً من الجداول والكتب الفلكية التي ترجم جزء منها إلى اللاتينية مثل (معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك) وشرح أربع مقالات لبطليموس، ورسالة في تحقيق أقدار الاتصالات، لكن يبقى أهم هذه المؤلفات هي كتابه (زيج البتاني) أو (زيج الصابئي) حيث ترجم إلى اللاتينية وطبع في نورنبرغ سنة 1537 باسم (scientia Still arum) ، كما عرف الكتاب أيضاً باسم "علم النجوم"، كما أنه ترجم بعد ذلك وطبع عدة مرات وبعدة لغات.
هذا وسجَّل البتاني بكتابه الشهير "الزيج الصابي" (يوجد نسخة منه في مكتبة الأسكوريال في إسبانيا ونسخة في مكتبة الفاتيكان) جداول تتعلق بحركة الأجرام التي اكتشفها بنفسه، كما سجل الكواكب الثابتة حتى سنة 249 هجرية، لهذا قال العالم "نللينو" عن هذا الكتاب: "في هذا الزيج توجد أرصاد البتاني التي كان لها أثر كبير في علم الفلك وفي علم المثلثات الكروي، وبقي هذا الكتاب مرجعاً للفلكيين في أوروبا خلال القرون الوسطى وأوائل عصر النهضة".
خلفيته العلمية و العملية
لقد كان البتاني من العلماء الذين ساهموا في وضع أسس علم المثلثات الحديثة وعملوا على توسيع فهمها، كما أنه أوجد قيم الزوايا بطرق جبرية تبرهن على خصوبة قريحته، وسعة علمه وفهمه ولا ننسى أنه أحد أهم العلماء العرب الذين طوروا علم الفلك ونقلوه من علم ممزوج بالخرافة والأوهام إلى علم يستخدم المنهج العلمي في سبيل تحقيق غرضه، ولهذا كان حقاً على التاريخ أن يسجل إبداعاته وكان حقاً على الزمان أن يتناقلها عبر أجياله.
وتتضح منهجية البتاني من خلال أقواله وما ذكره في مؤلفاته عن طريقة عمله وتفكيره، من أقواله:
"لطالما أطلت النظر في هذا العلم وأدمنت الفكر فيه، ووقفت على اختلاف الكتب الموضوعة لحركات النجوم، وما تهيأ لبعض واضعيها من خلل وما اجتمع في حركات النجوم على طول الزمان".
"إنَّ علم الفلك من العلوم الأساسية المفيدة، إذ يمكن بواسطته أن يعرف الإنسان أشياءً مهمة يحتاج إلى معرفتها واستغلالها بما يعود عليه بالنفع والفائدة".
"إنَّ أهم مقومات التقدم في علم الفلك هو التبحُّر في نظرياته ونقدها، وجمع الأرصاد الوفيرة، والعمل على إتقان تلك الأرصاد".