قطعان التيوس المستعارة: ماذا تريد منّا ؟
قطعان التيوس المستعارة: ماذا تريد منّا ؟
د. فايز بن عبدالله الشهري
عجيب هو حالنا وصورتنا عبر الفضائيات في حوارات وبرامج بعض المنتمين إلينا والذين يتحدّثون عنّا وباسمنا بلا تفويض. والأعجب كيف تفرّغ هؤلاء ومن جلبوهم لمهمة استفزازنا وتقليب أوجاعنا بشتى الصور. نراهم يهرفون في كل شأن من شئوننا ويصورن مجتمعنا وحياتنا بأقبح النعوت. وعلى الإنترنت وشبكاتها أيضا "تبرعمت" فطريات عجيبة تتسابق صباح مساء لإفراغ كل العُقد الشخصيّة وتوثيق رديء التناقضات حتى جعلوا الحياة أمام الشباب محبطة وصوّروا لهم المستقبل كئيباً لا يطاق. وأنت لا تملك إلا أن تحوقل وتتعوّذ حين تقلّب ناظريك بين هذه الشاشات هارباً من تطاول "فاضي" وصفاقة "منتهية" وحولهم ومعهم جوقة الإثارة ممن "يتسدّحون" ليل نهار على أرائك الفتنة لرعاية وتوجيه هذه القطعان من "التيوس المستعارة".
ليست المشكلة في ارتفاع صوت أصحاب الحقوق والمظالم فهؤلاء يجب أن نكون كلنا معهم، وعلينا أن نستنهض لهم كل المؤسسات المجتمعية والرسمية كيما تسمع وتستجيب فهذا عصر الحقوق. ولا بد أن يدرك الغافلون بيننا أنّنا نعيش حقبة المتغيرات الكبرى ، ومن لا يستوعب مستحقاتها ويطوّر أساليب استيعابها فعليه أن يستعدّ لدفع الثمن . كما لا يعني ونحن نستنكر هذا الحال أن ندفن العيوب ونتستر على الفساد والظلم بل لا بد من الإقرار بضرر تجاهل القصور وبطء حركة كثير من المؤسسات وينبغي تبعاً لذلك إيقاظها لتتحرك وتتفاعل. ولكن كيف يصح محاكمة الدين وتشويه صورة المجتمع نتيجة معاناة شخصية أو جراء عقدة اجتماعية وبذرائعها يرتفع الصراخ والزعيق وغمز الدين ووصم المجتمع بالتخلف.
من جهة أخرى لو تأملنا محتويات ما نتبادله عبر الوسائط والشبكات الاجتماعية التي نتفّنن في تأليفها جميعاً لوجدنا تأثير هذه الروح الانهزامية وسحق الذات واحتقار العادات من خلال سيل هائل من "النكت" "والمقاطع" المصورة التي تستهزئ بكل مكونات مجتمعنا. والنتيجة أننا وسط هذه الفوضى والتجاهل نكاد نكون من أكبر المجتمعات البشريّة تطوعا في تسويد صورتنا الذهنية أمام العالم بل ونوثّقها صوتاً وصورة للتاريخ وكأننا موظفون مأجورون لرعاية مشاريع تدمير ذواتنا وهدم هويتنا كل يوم.
تأمل محتوى الهواتف الذكية "وتغريدات" مدمني قصف أرواحنا عبر "تويتر"و"يوتيوب" التي صارت منصات إطلاق لحملات تشويه صورة المرأة والإنسان السعودي ما يجعل جيلاً كاملاً -يتشكّل اليوم- يتعب في بناء صورة مستقبله وسط هذا الركام من التخلف وعدم تقدير الذات. وحدّث ولا حرج عن صورتنا في طوفان الدراما والمسلسلات الممولة من كبار مستثمرينا والتي تعرضها قنوات عالمية محسوبة علينا لترى كيف يقدمون صورتنا من داخل بيوتنا للعالم في عصر الاتصال.
والإشكال هنا أننا فقدنا حتى فضيلة الاحتجاج ولم نعد نستنكر شيئاً مع استدامة تكرار بث ونشر الصورة السلبية عنّا حتى باتت بعض المقاطع التي صورناها وتبادلناها مادة ليلية مثيرة للفكاهة والتندر علينا في أشهر برامج الكوميديا العالمية.
مسارات
قال ومضى: قد لا أتقن وصف ملامح الحقيقة ..ولكني أميّز كامل التضليل في غيابها.
منشور :صحيفة الرياض