أسرارنا في أفواه المغرين
أسرارنا في أفواه المغردين
لقد أصبح هذا العصر مميزاً بما يمكن أن يُطلَق عليه الثورة المعلوماتية، وهو ما يعني تكاثر المعلومات ومصادرها بشكل هائل، فبعد أن كانت المعلومة تنتقل بالمراسلات العادية البشرية وغير البشرية كالحمام الزاجل وغيرها من الوسائل التقليدية، أصبحت المعلومة تقتحم جهاز أو أذن الواحد منا وهو متكيء على أريكته وبدون أن يطلبها أو يرسل من يحضرها له، ومع هذا السيل الجارف من المعلومات والأخبار والتسريبات يجد المرء نفسه حائراً حيال هذه الأخبار، ويدخل فيما يشبه الدوامة من هول ما يجد مما يصدَّق وما لا يصدَّق!!
وصاحَبَ هذا شغفُ الكثير من الناس بهذه الأخبار والمعلومات وتداولها بل وترويجها، دون أن يكلف أحدٌ نفسه "عناء!!" الانتظار والتريث، وسماع الخبر من مصادره الصحيحة، والتثبت من المعلومة قبل التسرع في النشر، وكأن الكل أصبح في ميدان السبق الإعلامي منافساً لكبريات الصحف العالمية والقنوات الفضائية والمحطات الإذاعية!! حتى بعض المحسوبين على أهل الخير والصلاح للأسف - فأصبح مألوفاً أن نسمع اعتذار أحدهم عن معلومة نشرها وهو يذيل اعتذاره بمقولة " وما آفة الأخبارِ إلا رواتُها ".
عندما يكون نشر الخبر متعلقاً بأمرٍ سيصبح لا محالة منشوراً في وسيلة رسمية أو غير رسمية فهذا أمر يهون، كخبر وفاة مسؤول أو شخصية كبيرة أو تعيينٍ أو ترشيحٍ، أو كما يحصل كل عام رؤية هلالٍ ونحو هذا ، فهذا أمره سهل ويسير، لأن مصيره الانتشار والفشو، وكما قال طرفة بن العبد:
( ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا **** ويأتيك بالأخبار من لم تزود )
ولو لم يخرج أو تأخر قليلا أو خرج خلاف ما نشر فأظن أن هذا أمر لا خطر فيه ولا حرج، هذا في الغالب الأعم.
ولكن! ما ذا عندما يكون هذا الخبر متعلقاً بسلامة الناس، وأمنهم سواءً الأمن في الرزق أو الأمن الغذائي أو الأمن بمعناه المعروف: الأمن من الخوف؟
هذا هو الجانب الخطير في نظري، وهو الذي يجب أن يحظى بمزيد من العناية والرعاية والبحث والتوعية، ولن تستطيع أن تسد أفواه الناس ولكنك تستطيع أن ترشدهم وخاصة من حولك إلى عاقبة الثرثرة سواءً كانت هذه الثرثرة باللسان أو بوسائل الاتصال الحديثة التي أصبحت تنقل الخبر والصورة في لمح البصر إلى الفئام من الناس.
أغلبنا في الأيام القليلة الماضية وصله صور عديدة لمخاطبات وتوجيهات رسمية لبعض الأجهزة الأمنية، ولمسؤولين كبارا في الدولة، وعلاوة على كونها تخص جهات أمنية حساسة، وبعضها بتوقيع خادم الحرمين الشريفين بنفسه، وبغض النظر عن صحة هذه الخطابات من عدمه، إلا أنه يكفي لبيان خطورة تداولها أنها معنونة وموصوفة بالسرية بل وبعضها موصوف بالوصف التالي: "سري للغاية وغير قابل للتداول إطلاقا" فهل لهذا التوجيه احتمال يمكن أن يصرفه عن معناه الظاهر أمامنا بحيث يتم تداوله ولم يجف الحبر الذي طبع به؟
أنا هنا لا أتحدث عن الإنسان العامي البسيط، ولكن على مستوى الحكومة: ما هي سياسة السرية وأمن المعلومات في الجهات الأمنية والعسكرية خاصة؟ وهل يتم إعلان هذه السياسة وتوزيعها والتذكير بها من حين لآخر لمنسوبي هذه القطاعات؟ وهل يحظى موظفوا الاتصالات الإدارية وخاصة الأقسام السرية منها بدورات مهنية كافية وحملات توعوية بخطورة تداول الوثائق السرية؟
وهل تم تعميم قرار مجلس الوزراء المعروف بالرقم 141 وتاريخ 7/5/1432هـ القاضي بالموافقة على نظام عقوبات نشر الوثائق والمعلومات السرية وإفشائها، وهذا النظام حوى عدداً من التعريفات والتوضيحات للوثائق السرية، والنقاط المهمة والعقوبات الواضحة والصارمة والجهات المخولة بتعريف وتصنيف المعلومات، ومما ورد في هذا النظام النقاط المهمة التالية:
في المادة الثانية منه "يحظر على أي موظف عامٍ أو من في حكمه ولو بعد انتهاء خدمته نشر أي وثيقة سرية أو إفشاء أي معلومة سرية حصل عليها أو عرفها بحكم وظيفته وكان نشرها أو إفشاؤها لا يزالان محظورين".
وفي المادة الرابعة منه " يحظر إخراج الوثائق السرية من الجهات الحكومية، أو تبادلها مع الغير بأي وسيلة كانت ..."
وفي المادة الخامسة التي نصت على العقوبات " يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشرين سنة أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بهما معا كل من" نشر وثائق أو معلومات سرية وأفشاها ..الخ
كما أن النظام قد أشار في المادة السابعة إلى ضرورة مراعاة الظروف المخففة والمشددة للعقوبة، وجعل من الظروف المشددة ارتكاب الجريمة وقت الحرب أو إذا ارتكبت الجريمة لصالح دولة أجنبية أو إذا كانت الوثيقة أو المعلومة مهمة وذات سرية عالية . . .الخ
إلى غير ذلك من البنود الصارمة والواضحة، والنظام منشور ومعلن ولست بحاجة للقول أنه ليس سريا بطبيعة الحال.
أظن الكثير منا وممن تداول مثل تلك الخطابات كان سيفكر ألف مرة قبل الإقدام على مثل هذا الأمر، فضلا عن المرسل الأول لها الذي قام بتصويرها بجواله ثم قام بالنشر لو كان قد اطلع على هذا النظام وقرأه بتمعن.
اختم بأمر مهم: ليس كل ما ينشر فهو صحيح 100% ولو كان مختوما بأكبر الختوم وموقعا باسم أعلى الشخصيات القيادية، فعالم التصميم والقص واللزق عالم مليء بالعجائب، فليكن الأصل عندي وعندك عند قراءة مثل هذه الخطابات واستلامها انها خضعت " للفبركة" الإعلامية وبالتالي مكانها المناسب هو زر الحذف وليس إعادة الإرسال، مع تنبيه المرسل لهذا الأمر.
وصاحَبَ هذا شغفُ الكثير من الناس بهذه الأخبار والمعلومات وتداولها بل وترويجها، دون أن يكلف أحدٌ نفسه "عناء!!" الانتظار والتريث، وسماع الخبر من مصادره الصحيحة، والتثبت من المعلومة قبل التسرع في النشر، وكأن الكل أصبح في ميدان السبق الإعلامي منافساً لكبريات الصحف العالمية والقنوات الفضائية والمحطات الإذاعية!! حتى بعض المحسوبين على أهل الخير والصلاح للأسف - فأصبح مألوفاً أن نسمع اعتذار أحدهم عن معلومة نشرها وهو يذيل اعتذاره بمقولة " وما آفة الأخبارِ إلا رواتُها ".
عندما يكون نشر الخبر متعلقاً بأمرٍ سيصبح لا محالة منشوراً في وسيلة رسمية أو غير رسمية فهذا أمر يهون، كخبر وفاة مسؤول أو شخصية كبيرة أو تعيينٍ أو ترشيحٍ، أو كما يحصل كل عام رؤية هلالٍ ونحو هذا ، فهذا أمره سهل ويسير، لأن مصيره الانتشار والفشو، وكما قال طرفة بن العبد:
( ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا **** ويأتيك بالأخبار من لم تزود )
ولو لم يخرج أو تأخر قليلا أو خرج خلاف ما نشر فأظن أن هذا أمر لا خطر فيه ولا حرج، هذا في الغالب الأعم.
ولكن! ما ذا عندما يكون هذا الخبر متعلقاً بسلامة الناس، وأمنهم سواءً الأمن في الرزق أو الأمن الغذائي أو الأمن بمعناه المعروف: الأمن من الخوف؟
هذا هو الجانب الخطير في نظري، وهو الذي يجب أن يحظى بمزيد من العناية والرعاية والبحث والتوعية، ولن تستطيع أن تسد أفواه الناس ولكنك تستطيع أن ترشدهم وخاصة من حولك إلى عاقبة الثرثرة سواءً كانت هذه الثرثرة باللسان أو بوسائل الاتصال الحديثة التي أصبحت تنقل الخبر والصورة في لمح البصر إلى الفئام من الناس.
أغلبنا في الأيام القليلة الماضية وصله صور عديدة لمخاطبات وتوجيهات رسمية لبعض الأجهزة الأمنية، ولمسؤولين كبارا في الدولة، وعلاوة على كونها تخص جهات أمنية حساسة، وبعضها بتوقيع خادم الحرمين الشريفين بنفسه، وبغض النظر عن صحة هذه الخطابات من عدمه، إلا أنه يكفي لبيان خطورة تداولها أنها معنونة وموصوفة بالسرية بل وبعضها موصوف بالوصف التالي: "سري للغاية وغير قابل للتداول إطلاقا" فهل لهذا التوجيه احتمال يمكن أن يصرفه عن معناه الظاهر أمامنا بحيث يتم تداوله ولم يجف الحبر الذي طبع به؟
أنا هنا لا أتحدث عن الإنسان العامي البسيط، ولكن على مستوى الحكومة: ما هي سياسة السرية وأمن المعلومات في الجهات الأمنية والعسكرية خاصة؟ وهل يتم إعلان هذه السياسة وتوزيعها والتذكير بها من حين لآخر لمنسوبي هذه القطاعات؟ وهل يحظى موظفوا الاتصالات الإدارية وخاصة الأقسام السرية منها بدورات مهنية كافية وحملات توعوية بخطورة تداول الوثائق السرية؟
وهل تم تعميم قرار مجلس الوزراء المعروف بالرقم 141 وتاريخ 7/5/1432هـ القاضي بالموافقة على نظام عقوبات نشر الوثائق والمعلومات السرية وإفشائها، وهذا النظام حوى عدداً من التعريفات والتوضيحات للوثائق السرية، والنقاط المهمة والعقوبات الواضحة والصارمة والجهات المخولة بتعريف وتصنيف المعلومات، ومما ورد في هذا النظام النقاط المهمة التالية:
في المادة الثانية منه "يحظر على أي موظف عامٍ أو من في حكمه ولو بعد انتهاء خدمته نشر أي وثيقة سرية أو إفشاء أي معلومة سرية حصل عليها أو عرفها بحكم وظيفته وكان نشرها أو إفشاؤها لا يزالان محظورين".
وفي المادة الرابعة منه " يحظر إخراج الوثائق السرية من الجهات الحكومية، أو تبادلها مع الغير بأي وسيلة كانت ..."
وفي المادة الخامسة التي نصت على العقوبات " يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشرين سنة أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بهما معا كل من" نشر وثائق أو معلومات سرية وأفشاها ..الخ
كما أن النظام قد أشار في المادة السابعة إلى ضرورة مراعاة الظروف المخففة والمشددة للعقوبة، وجعل من الظروف المشددة ارتكاب الجريمة وقت الحرب أو إذا ارتكبت الجريمة لصالح دولة أجنبية أو إذا كانت الوثيقة أو المعلومة مهمة وذات سرية عالية . . .الخ
إلى غير ذلك من البنود الصارمة والواضحة، والنظام منشور ومعلن ولست بحاجة للقول أنه ليس سريا بطبيعة الحال.
أظن الكثير منا وممن تداول مثل تلك الخطابات كان سيفكر ألف مرة قبل الإقدام على مثل هذا الأمر، فضلا عن المرسل الأول لها الذي قام بتصويرها بجواله ثم قام بالنشر لو كان قد اطلع على هذا النظام وقرأه بتمعن.
اختم بأمر مهم: ليس كل ما ينشر فهو صحيح 100% ولو كان مختوما بأكبر الختوم وموقعا باسم أعلى الشخصيات القيادية، فعالم التصميم والقص واللزق عالم مليء بالعجائب، فليكن الأصل عندي وعندك عند قراءة مثل هذه الخطابات واستلامها انها خضعت " للفبركة" الإعلامية وبالتالي مكانها المناسب هو زر الحذف وليس إعادة الإرسال، مع تنبيه المرسل لهذا الأمر.
علي بن غالب الشهري.