الهيئة " تيه الرشاد "
الهيئة " تيه الرشاد"
لما سئلت : هل أنت مع كل عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قلت مجيبا: لا ونعم وبين لا ونعم تكمن معرفة الصواب ويظهر الحق لأولي الألباب فليس من الصدق قول نعم مطلقا وليس من المنطق قول لا مطلقا فبنية الموضوع لا يمكن الجزم بأننا أحطنا بها كليا أو أننا استطعنا الوصول لماهية حقيقتها بل هي بحاجة إلى أن تقلب على أوجه عدة وينظر لها بالمنطق والعقل والبرهان
وحينما نغوص في طبقات الموضوع يتبين لنا أن المشكل الحقيقي الذي تواجهه الهيئة هو ابتداء عملها من خواتيمه ويظهر ذلك في الفجوة العميقة بين الصور الذهنية لصفات ومقاصد وأساليب المحتسب وبين الواقع والتطبيق الذي لا يتماثل تماما مع تلك الصور ويعود ذلك إلى عجز العقل عن بلورة تلك الصور الذهنية على هيئة سلوكيات لأن المخزون المعرفي لا يتوافق مع الزمن والظرف ولا يتعامل مع القضايا بمنطق صناعة المفاهيم وكل ذلك عائد لمفهوم أساسي لعمل الهيئة وهو تحقيق المثل العليا والنظرة لذلك عندهم تنبثق من أنه بالإمكان تحقيق المثل بالمحاكاة لتراث الأمة الذي تحققت فيه والمثل لا يمكن أن تتحقق بالمحاكاة والتقليد كما أنها لا تتحقق كليا وإنما تتم المقاربة منها بالقيم الخلقية والابداع الفكري , ولو نظرنا للمشكل الحقيقي وانطلقنا من الغاية الأسمى لعملهم ثم عدنا لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ظهر لنا جليا انطلاقها من أن الفرد المسلم هو المركز والأساس في حمل القيم الخلقية التي يتكون منها المجتمع المسلم وأن المجتمع المسلم هو بالأساس نتاجا لفضائل فرده ولذلك كانت قوة الإسلام دليلا على أن مجتمعه قوي بالفضائل والقيم والحريات التي يحملها فرده ,ثم كان التدرج في التشريعات حتى الوصول للنظام السياسي للدولة الإسلامية ولطالما كانت الأمة الإسلامية وعلى مدار تاريخها في أوج تقدمها ونهضتها عندما يكون المجتمع أكثر قوة وصلابة وتماسكا من الدولة ويتبوأ منزلة أعلى منها وكل هذا يقودنا إلى ان وجود الهيئة ضمن جهات ومؤسسات الدولة من دلائل دخولها في مرحلة ضبابية وفي الضباب يكون من العسير على الإنسان أن يشق له طريقا وفي هذه المرحلة من العماء تخضع الهيئة لمراحل جديدة من التكون حتى يتم لها الخروج من هذه الضبابية وتبدا في التساؤل بأي تقويم أو ميزانية سننخرط في هذه المرحلة الجديدة ؟ وما هي المقومات التي يجب توافرها حتى نستطيع البقاء فاعلين ومؤثرين في المجتمع ؟ وأين سنجد الأرض الصلبة التي تمكننا من الوقوف صامدين أمام هذه المرحلة ؟وماهي هويتنا بعد كل هذا ؟وما هي راياتنا التي سوف نحملها وتحت قيادة من ؟ هنا يتوجب عليها لتخرج من الضباب أن تبدا برسم صور ذهنية جديدة للمقاصد والصفات والأساليب التي لابد من توفرها في أفرادها حتى وإن كانت مخالفة للمعطيات السابقة أو لا تماثلها تماما وهذا ما يحدث في مثل تلك الظروف ولهذا فهي تلوذ بمن يملك القوة والسلطة والنفوذ لتبدأ الانخراط في تلك المرحلة الجديدة وبالفعل تبدأ مهامها من منظومة قوية متماسكة وتنطلق على أرض صلبة إلى العمل وبهوية تظهر للعيان مدى أهمية وجودهاكمؤسسة وجهة تابعة للدولة وفي نهاية المطاف تجد نفسها رهينة لنتائج ذلك التحول ومن أهم تلك النتائج وقبل ذكرها من المهم أن ندرك أن الكثير من تلك النتائج متأصل في المفهومية ومخزون الأفكار مسبقا ولكن هذه الظروف تملكها حضورا أقوى وتواجدا اكبر ومنها :
أولا : تصوير المجتمع بأنه سائر إلى الانهيار والسقوط والتشظي وغارق في مستنقع الرذائل ومنصهر في ثقافات فاسدة وأنه لينجو فعليه أن يطبق كل ما تقوم به الهيئة بآلية عمياء لا دخل للفكر والمنطق فيها وهذا تلقائي في ذهنية المحتسب لأن انخراطه في منظومة الدولة يقنعه بأبدية ضعف وتخدر المجتمعات وعجزها حتى تظل خانعة لتلك النظم تحت مظلة الدين بظله الوارف .
ثانيا : تفقد المجتمعات روح المبادرات وتنحصر الاجتهادات وتتقلص أدوار الفرد في مجتمعه ويفقد المجتمع الحركة الدائمة على مستوى إنتاج الأفكار وإبداعها ويرتفع مستوى العصبيات وتهمش الأفكار وتسطوها الشخصنة وهذا كله يظهر الهيئة كقائد ومخلص للمجتمع من التيه.
ثالثا : يتحول التدين ظاهرة من الظواهر التي تجتاح المجتمعات فتصبح الشكليات دليلا على اثر تلك الظاهرة في اجتثاث المجتمع وتخليصه من عماءه فتنبري المظهرية كسمة من سمات التدين ويحبس الوجود الأمثل للمتدين بكل أدواره السامية ومقاصده النبيلة في انضمامه للهيئة أو بمعنى آخر انفصاله عن المجتمع المليء بالرذائل في نظرهم وإن كان بإمكانه فعل كل ذلك دونهم .
رابعا : تصبح الدعوة الدينية خاضعة للسلطة الأمنية أو بمعنى أدق تصبح الغايات الدينية وسائل أمنية بحيث تبتلع الأهداف الأمنية كل المقاصد الدينية في سبيل المحافظة على الأمن والمكاسب الوطنية مما يجعل الدين وللأسف مندرجا تحت تلك الأنظمة وقابعا تحت سلطها فما تفسير هذا مع أننا ندرك أن الدولة تتخذ الشريعة المحمدية منهجا ودستورا لها ولله الحمد
خامسا : تقويض العمران بكل أبعاده على مستوى الفرد والمجتمع وبكل محاسنه على الثقافة والفكر وكذلك على مستوى المنتج الحضاري وأثره في مفهوم وفكر ورقي الفرد محاولة تشويه التمدن و إعادة الناس إلى هويات وبيئات بدائية وعشوائية يكون فيها الفرد والمجتمع في حالة المنهك جراء القبلية بكل عصبياتها وأعرافها وتقاليدها وتبعيتها العمياء بحيث يكون من السهل التعامل مع متدني المعرفة وعديمي الطموح والمنهمكين في البحث عن الحياة البسيطة ليتبعوا كل ما يقال لهم بآلية عمياء فشيخ القبيلة وحده يملك القدرة على حشو عقول قبيلة كاملة وبسهولة
سادسا : تصوير المجتمعات الأخرى كمجتمعات خالية من الفضائل والقيم ولا تحمل سوى الرذائل والقاذورات والانهيار الأخلاقي وأنها ستسقط لا محالة وهذا التصور بالأساس ناتج من أن تلك المجتمعات تملك حرية وتقدما ورقيا أكثر بكثير من المجتمعات التي هي بمنأى عن كل ذلك مما لا يسمح بأي وجه من أوجه المقارنة مع علمها أن تلك المجتمعات هي التي تقود العالم اليوم تقنيا ومعرفيا والمهم في ذلك أن علو تلك المجتمعات بكل معاني العلو فوق حكوماتها هو سبب تقدمها وقيادتها للعالم وهذا مما لابد إخفاءه من قبل الهيئة عن الناس وهذا أيضا من واجبات عملهم
سابعا : ينشر الفكر الحدي وثقافة النمط الواحد وتكثر في الخطاب الديني المتضادات إن لم تكن معي فأنت ضدي إن لم تجتمع معي وإلا ففارقني إن لم تكن خليلي فأنت بلا شك عدوي إن لم تؤمن بفكرتي الراشدة وإلا فأنت فاسد الفكر إن لم تكن سعيدا معي فأنت شقي بدوني مما يلغي كل معاني الوسطية والاعتدال
القضية تتعلق بجزئية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي هو بالأساس فيض من صلاح المسلم يتأتى في سلوك يعبر عنه بوازع ذاتي حال قضية معينة لبقاء المجتمع في حركة مستمرة من تبادل الفضائل فهو أمر ذاتي يسمو بالمجتمع ليكون باحثا عن مقاربة المثل العليا لتظهر في قيم أفراده الخلقية فإذا أصبح هذا تابع لأنظمة الدولة فهو دليل عجز وضعف ومؤشر خطر، ما دامت الدولة تحكم شريعة الله عز وجل
فالشريعة في تطبيقها تتدرج ابتداء من التربية الدينية بحيث تتأصل بوازع ذاتي ثم تكون الأنظمة الأخرى عاملة كوازع خارجي بمقاصدها فيكون الفرد طالب لتطبيقها أصلا دون أن يجبر على ذلك .
وحينما نغوص في طبقات الموضوع يتبين لنا أن المشكل الحقيقي الذي تواجهه الهيئة هو ابتداء عملها من خواتيمه ويظهر ذلك في الفجوة العميقة بين الصور الذهنية لصفات ومقاصد وأساليب المحتسب وبين الواقع والتطبيق الذي لا يتماثل تماما مع تلك الصور ويعود ذلك إلى عجز العقل عن بلورة تلك الصور الذهنية على هيئة سلوكيات لأن المخزون المعرفي لا يتوافق مع الزمن والظرف ولا يتعامل مع القضايا بمنطق صناعة المفاهيم وكل ذلك عائد لمفهوم أساسي لعمل الهيئة وهو تحقيق المثل العليا والنظرة لذلك عندهم تنبثق من أنه بالإمكان تحقيق المثل بالمحاكاة لتراث الأمة الذي تحققت فيه والمثل لا يمكن أن تتحقق بالمحاكاة والتقليد كما أنها لا تتحقق كليا وإنما تتم المقاربة منها بالقيم الخلقية والابداع الفكري , ولو نظرنا للمشكل الحقيقي وانطلقنا من الغاية الأسمى لعملهم ثم عدنا لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ظهر لنا جليا انطلاقها من أن الفرد المسلم هو المركز والأساس في حمل القيم الخلقية التي يتكون منها المجتمع المسلم وأن المجتمع المسلم هو بالأساس نتاجا لفضائل فرده ولذلك كانت قوة الإسلام دليلا على أن مجتمعه قوي بالفضائل والقيم والحريات التي يحملها فرده ,ثم كان التدرج في التشريعات حتى الوصول للنظام السياسي للدولة الإسلامية ولطالما كانت الأمة الإسلامية وعلى مدار تاريخها في أوج تقدمها ونهضتها عندما يكون المجتمع أكثر قوة وصلابة وتماسكا من الدولة ويتبوأ منزلة أعلى منها وكل هذا يقودنا إلى ان وجود الهيئة ضمن جهات ومؤسسات الدولة من دلائل دخولها في مرحلة ضبابية وفي الضباب يكون من العسير على الإنسان أن يشق له طريقا وفي هذه المرحلة من العماء تخضع الهيئة لمراحل جديدة من التكون حتى يتم لها الخروج من هذه الضبابية وتبدا في التساؤل بأي تقويم أو ميزانية سننخرط في هذه المرحلة الجديدة ؟ وما هي المقومات التي يجب توافرها حتى نستطيع البقاء فاعلين ومؤثرين في المجتمع ؟ وأين سنجد الأرض الصلبة التي تمكننا من الوقوف صامدين أمام هذه المرحلة ؟وماهي هويتنا بعد كل هذا ؟وما هي راياتنا التي سوف نحملها وتحت قيادة من ؟ هنا يتوجب عليها لتخرج من الضباب أن تبدا برسم صور ذهنية جديدة للمقاصد والصفات والأساليب التي لابد من توفرها في أفرادها حتى وإن كانت مخالفة للمعطيات السابقة أو لا تماثلها تماما وهذا ما يحدث في مثل تلك الظروف ولهذا فهي تلوذ بمن يملك القوة والسلطة والنفوذ لتبدأ الانخراط في تلك المرحلة الجديدة وبالفعل تبدأ مهامها من منظومة قوية متماسكة وتنطلق على أرض صلبة إلى العمل وبهوية تظهر للعيان مدى أهمية وجودهاكمؤسسة وجهة تابعة للدولة وفي نهاية المطاف تجد نفسها رهينة لنتائج ذلك التحول ومن أهم تلك النتائج وقبل ذكرها من المهم أن ندرك أن الكثير من تلك النتائج متأصل في المفهومية ومخزون الأفكار مسبقا ولكن هذه الظروف تملكها حضورا أقوى وتواجدا اكبر ومنها :
أولا : تصوير المجتمع بأنه سائر إلى الانهيار والسقوط والتشظي وغارق في مستنقع الرذائل ومنصهر في ثقافات فاسدة وأنه لينجو فعليه أن يطبق كل ما تقوم به الهيئة بآلية عمياء لا دخل للفكر والمنطق فيها وهذا تلقائي في ذهنية المحتسب لأن انخراطه في منظومة الدولة يقنعه بأبدية ضعف وتخدر المجتمعات وعجزها حتى تظل خانعة لتلك النظم تحت مظلة الدين بظله الوارف .
ثانيا : تفقد المجتمعات روح المبادرات وتنحصر الاجتهادات وتتقلص أدوار الفرد في مجتمعه ويفقد المجتمع الحركة الدائمة على مستوى إنتاج الأفكار وإبداعها ويرتفع مستوى العصبيات وتهمش الأفكار وتسطوها الشخصنة وهذا كله يظهر الهيئة كقائد ومخلص للمجتمع من التيه.
ثالثا : يتحول التدين ظاهرة من الظواهر التي تجتاح المجتمعات فتصبح الشكليات دليلا على اثر تلك الظاهرة في اجتثاث المجتمع وتخليصه من عماءه فتنبري المظهرية كسمة من سمات التدين ويحبس الوجود الأمثل للمتدين بكل أدواره السامية ومقاصده النبيلة في انضمامه للهيئة أو بمعنى آخر انفصاله عن المجتمع المليء بالرذائل في نظرهم وإن كان بإمكانه فعل كل ذلك دونهم .
رابعا : تصبح الدعوة الدينية خاضعة للسلطة الأمنية أو بمعنى أدق تصبح الغايات الدينية وسائل أمنية بحيث تبتلع الأهداف الأمنية كل المقاصد الدينية في سبيل المحافظة على الأمن والمكاسب الوطنية مما يجعل الدين وللأسف مندرجا تحت تلك الأنظمة وقابعا تحت سلطها فما تفسير هذا مع أننا ندرك أن الدولة تتخذ الشريعة المحمدية منهجا ودستورا لها ولله الحمد
خامسا : تقويض العمران بكل أبعاده على مستوى الفرد والمجتمع وبكل محاسنه على الثقافة والفكر وكذلك على مستوى المنتج الحضاري وأثره في مفهوم وفكر ورقي الفرد محاولة تشويه التمدن و إعادة الناس إلى هويات وبيئات بدائية وعشوائية يكون فيها الفرد والمجتمع في حالة المنهك جراء القبلية بكل عصبياتها وأعرافها وتقاليدها وتبعيتها العمياء بحيث يكون من السهل التعامل مع متدني المعرفة وعديمي الطموح والمنهمكين في البحث عن الحياة البسيطة ليتبعوا كل ما يقال لهم بآلية عمياء فشيخ القبيلة وحده يملك القدرة على حشو عقول قبيلة كاملة وبسهولة
سادسا : تصوير المجتمعات الأخرى كمجتمعات خالية من الفضائل والقيم ولا تحمل سوى الرذائل والقاذورات والانهيار الأخلاقي وأنها ستسقط لا محالة وهذا التصور بالأساس ناتج من أن تلك المجتمعات تملك حرية وتقدما ورقيا أكثر بكثير من المجتمعات التي هي بمنأى عن كل ذلك مما لا يسمح بأي وجه من أوجه المقارنة مع علمها أن تلك المجتمعات هي التي تقود العالم اليوم تقنيا ومعرفيا والمهم في ذلك أن علو تلك المجتمعات بكل معاني العلو فوق حكوماتها هو سبب تقدمها وقيادتها للعالم وهذا مما لابد إخفاءه من قبل الهيئة عن الناس وهذا أيضا من واجبات عملهم
سابعا : ينشر الفكر الحدي وثقافة النمط الواحد وتكثر في الخطاب الديني المتضادات إن لم تكن معي فأنت ضدي إن لم تجتمع معي وإلا ففارقني إن لم تكن خليلي فأنت بلا شك عدوي إن لم تؤمن بفكرتي الراشدة وإلا فأنت فاسد الفكر إن لم تكن سعيدا معي فأنت شقي بدوني مما يلغي كل معاني الوسطية والاعتدال
القضية تتعلق بجزئية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي هو بالأساس فيض من صلاح المسلم يتأتى في سلوك يعبر عنه بوازع ذاتي حال قضية معينة لبقاء المجتمع في حركة مستمرة من تبادل الفضائل فهو أمر ذاتي يسمو بالمجتمع ليكون باحثا عن مقاربة المثل العليا لتظهر في قيم أفراده الخلقية فإذا أصبح هذا تابع لأنظمة الدولة فهو دليل عجز وضعف ومؤشر خطر، ما دامت الدولة تحكم شريعة الله عز وجل
فالشريعة في تطبيقها تتدرج ابتداء من التربية الدينية بحيث تتأصل بوازع ذاتي ثم تكون الأنظمة الأخرى عاملة كوازع خارجي بمقاصدها فيكون الفرد طالب لتطبيقها أصلا دون أن يجبر على ذلك .
بقلم
محمد عوض الأسمري
محمد عوض الأسمري