×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

ثقافة العمل

سعد بن مغرم
بواسطة : سعد بن مغرم


بطالة الشباب ليست مشكلة اليوم ولا الأمس القريب انها أزمة تشكلت منذ ما يقارب الثلاثين عاما .بدأت بالتزامن عندما وضع النجار منشاره ورمى الحداد مطرقته وعندما وضع فلاح المزرعة محراثه القديم على سور المزرعة وعرف أنه لن يعود لها في العام القادم .حدث التغيير عندما انقلبت معادلة التكلفة والعائد ,بات شراء كيس من القمح أقل من نصف تكلفة كيس مماثل من انتاج المزرعة بعد مطاردة موسم كامل من بذر وترقب وانتظار وحصاد وجهود مبعثرة هنا وهناك .أبناء أصحاب الحرف وصبيانهم تركوا واجباتهم التي كانت رئيسية وهي مساعدة الآباء في أعمالهم واتجهوا الى حل الواجبات المدرسية التي يتلقونها يوما بعد يوم .
انقلبت المعادلة عندما ولوا تلك الحرف ظهورهم وأقبلوا على مقرراتهم الدراسية فبدأت العلاقة تتعزز بالمدرسة وما يترتب عليها يوما بعد يوم وتتباعد عن الحرفة والمهنة بنفس المقدار .
ألف الطلاب جدران المدرسة وظلالها وتجافت جلودهم عن لسعات الشمس في الهواء الطلق وباتوايمدون ايديهم كل صباح في انتظار ما يجود به الآباء من ريالات الفسحة في صورة مبكرة تعكس صورة الآباء في انتظار يوم 25 من كل شهر هجري .
هنا وفي ظرف ثلاثة عقود تلقت ثقافة المهنة او الحرفة او العمل البدني ثلاث ضربات متتابعات كل واحدة منها تكفي لوحدها لتقويض ما بقي في نفوس اصحاب الحرف من رغبات في الحفاظ على حرفهم كما كانت تصفي اولا بأول كل رغبة او هواية او نشاط رسمي او غير رسمي لإعادة انعاش ثقافة العمل .
اولها الحاجة وتوفر البدائل ففي بدايات الطفرة فقد حافظ الآباء على ثقافتهم في التمسك باعمالهم التقليدية لكن الظروف لم تكن في صفهم فقد بدأت الحسابات الاقتصادية تغير المعادلة فتكلفة رغيف الخبز باتت اقل بكثير من عناء الفلاحة , والركض وراء الانتاج الزراعي بات يذهب هباء منثورا امام ما تجود به الاسواق من خيرات الدنيا شرقها وغربها بعيدها وقريبها .اضافة الى انتقال رواد الاعمال الحرفية الى ورشة البناء الادارية الهائلة التي تطلبتها خطط التنمية تلبية لإحتياجاتها من الوظائف الادارية والتشغيلية المساندة التي تعود على اصحابها بمردود اقل ما يقال عنه انه يغنيهم ويفيض عن مداخيلهم السابقة وتبعاً لذلك فهي تقضي على جل وقتهم وبركته وتجعل من المستحيل المزاوجة بين العملين في آن معاً.
اصبحت المهنة او الحرفة نوعا من الهواية بدلاً من أن أن تكون مصدر رزق أو إتقاءاً للفقر .
أمام هذا الوضع المتدهور وحاجة البلد الى أيد عاملة في كل المجالات بتنا في استضافة اضطرارية لأكبر مونديال عالمي للعمالة بينما تفرغ السعوديون للتعليم والتعليم وحدة بهدف تخريج الكفاءات التي تحتاجها التنمية لكن معضلة جديدة وكبيرة نشأت وتكونت حيث تشكلت ثقافة سلبية وخطيرة لا يلامون عليها وليست ذنبهم في المقام الاول حين بات معظم خريجي المعاهد والجامعات ميالون بحكم الثقافة الجديدة الى الجلوس خلف المكاتب وادارة القوى البشرية من هناك بعيدا عن الاعمال الميدانية مهما كانت مزاياها واصبحت الوظيفة الحكومية بمثابة ضمان اجتماعي للمستقبل دون أي جهود اضافية للتطوير والتغيير .
نشأت فجوة كبيرة بين حاجة المجتمع للوظائف المتعلقة بالبناء والتشييد والمهن المختلفة وبين مخرجات التعليم التي لم تكن تضع هذا الاحتياج ضمن اولوياتها .
لم يشعر أحد بفداحة الأزمة إلا بعد حين من الدهر بعد التضخم المتوالي للحوالات المالية للخارج كما بات اللون الاجنبي في الجرائم واضحا للعيان , تضاعفت الأزمة بينما تذهب الحلول دائما أدراج الرياح فكل السياسات التي وضعت في هذه السنوات لم تتعد الأوراق التي نسخت عليها .
ثقافتنا باتت متناقضة نضع السياسات ونتحمس ونصفق لها على كراسي الوظيفة ثم نذهب فنكسرها عيانا بيانا في الشارع فأنى لنا النجاح والتقدم .
نشأت أجيال تلتها أجيال ولم تشعر بوقع المصيبة الا بعد فوات الاوان , كلنا لم نتعود على رؤية الفني المواطن في الكراج وعلى السقالات وقيادة الشاحنات والرافعات والقائمة تطول .
ارتفعت اصوات المصلحين تنادي هنا وهناك : أيها الخريجون اليكم الكنز الموعود تعالوا الى ما يحسدكم عليه اصحاب المكاتب والمراتب الوظيفية العليا , عليكم بأسواق الخضار وورش الصناعيه فثم الثراء والمستقبل !!
برمجة ستة عشر عاما من الدراسة والاحلام بالمستقبل اختزلت في دعوة الى مقابلة الامر الواقع فرفع الشهادة العلمية والمفاخرة بها استبدلت برفع حزمة الجرجير والحراج عليها وادارة مكتب الاحلام باتت وظيفة مهنية تحت رئاسة مدير اجنبي لا يرحم !!
لكم أن تتخيلوا صعوبة القبول بمرارة الأمر الواقع مهما كان الدخل .ليس استعيابا لتلك المهن او تحقيرا لها فهي مهن شريفة مربحة مكسبة قد تضاهي الوظائف الحكومية وربما تفوقها لكن اضطرار ابن العشرين والثلاثين الى سلوك هذا الطريق رغما عنه أدى الى تفشي قناعة المهنة المؤقتة في انتظار الوظيفة الدائمة مهما كانت التضحيات . أصبحت مجرد احدى عتبات السلم فالوظيفة الادارية الحكومية هي المنشودة مهما كان الثمن .
تسربت الاعداد الكبيرة التي قبلت بتلك المهن على مضض وعدنا الى المربع الاول فما الحل اذاً ؟!
· عندما يغرس في ذهن الطفل منذ صغره الاعتماد على نفسه في اصلاح بعض ادواته وترتيب أغراضه في البيت والمدرسة فهذه اولى الادوات .
· القيام باصلاح الاعطال المحدودة في الكهرباء والسباكة والدهان والتركيبات من قبل اعضاء العائلة او المدرسة وليس العمال حتى يتعود الصغار على مزاولة بعض الاعمال الصغيرة والمساعدة وحتى لا يرسخ في اذهانهم ان كل معضلة لها حل وحيد هو (العامل)!
· تجفيف ينابيع العمالة السائبة التي لديها استعداد للقيام بجميع الاعمال بغض النظر عن الجودة والمهارة و دون ان يكون هناك احتياج فعلي لوجودهم .
· البدء بالقيام ببعض الاعمال التي لا تعد معيبة نسبيا للصغار مثل غسيل سيارات العائلة وتنظيف الاحواش والافنية بحوافز غير محدده .
· يجب على المؤسسات الاعلامية القيام بحملات منظمة ومستمرة تهدف الى تغيير منظور الناس نحو المهنة والعمل وتزويدهم بجرعات تأخذهم شيئاً فشيئاً من الاعتماد على العمالة او البحث عن الاعمال المريحة الى الاعتماد على الذات والتوجه للأعمال الحره المهنية والحرفية .
أخيراً لنثق تمام الثقة بأن رحم أرض أنجب الأجداد الذين عمروا الجزيرة العربية وجابو سهودها ومهودها بتجارتهم وتوغلوا في أعماق البحر الاحمر والخليج العربي تجارة واطعاماً للأفواه الجائعة لقادر على انجاب الأفضل .
بواسطة : سعد بن مغرم
 0  0  9945