×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الحرب الطنينية بين الشعر الشعبي والفصيح

ابو فراج
بواسطة : ابو فراج
الحرب الطنينية بين الشعر الشعبي والفصيح


بقلم / محمد بن فراج الشهري ..
ما زال الصراع بين الشعر الفصيح ، والشعر العامي يمتد ويمتد حتى بلغ حد الحرب الغير منصفة من قبل الطرفين .. ينظر شعراء الفصحى إلى شعراء العامية بأنهم اقل ثقافة ووعياً وعلماً باللغة مما دعاهم جهلهم إلى الكتابة بلغة عامية لاتتجاوز المنطقة التي يقيم فيها ذلك الشاعر الشعبي ، وينظر الطرف الآخر المتطرف من (الفصحويين) إلى الشعر العامي بأنهم معول هدم للغة بأكملها .. بينما ينظر شعراء العامية إلى الشعر الفصيح بأنه انتهى مع نهاية عمالقته ولم يبقى منه ما يدعوا للكتابة فيه . وان هذا الشعر (الفصيح) ارض خصبة لهجمات الحداثة والتغيير وان الشعر العامي ما زال درعاًً منيعاً ضد هذه الهجمات .
وبين هؤلاء وهؤلاء تأتي الآراء المنصفة للشعر بغض النظر عن لغته المكتوبة ، ويستمد هؤلاء آرائهم من الشعر فقط وانه بإمكانه ـ أي الشعر ـ أن يكون كيفما شاء .
وقد أعجبني ما دار بين الأخوين الأعزاء الأستاذ / محمد الطنيني وشقيقه الأستاذ / سعيد .. ولم يعجبني تعليق بعض الأخوة الذي طلب من محمد الاعتذار لسعيد .. لأن وجهة نظر محمد ورأيه معتداً به وكذلك وجهة نظر سعيد .. ولكنني اختلف مع أخي سعيد قليلا فيما أورده عن الشعر العامي واستدل على ذلك بآراء الخبراء في هذا المجال ومنهم من هو أقدم مني ومن محمد ومن سعيد ومن لهم باع بين الشعر الشعبي والفصيح . وهي آراء كثيرة ولكن سوف أوجز بقدر المستطاع وأول من نأخذ راية في هذه القضية هو الأديب والشاعر الكبير عبدالله بن خميس ومن أهم ما كان بن خميس يؤكده بشان أهمية الشعر الشعبي ... حين قال " لولا ما حفظه هذا الأدب العامي في البلاد طيلة القرون الماضية لضاع تاريخ وانطمست معالم واختلطت انساب وفقدت الأمة ما يربطها بماضيها وذويها،ويكفي أن حكام هذه الجزيرة طيلة القرون الماضية وقاداتها وفرسانها وطبقاتها العالية وذوي الحل والعقد بها يقرضون هذا الشعر ويروونه ويتأثرون به ويثيبون ويعاقبون عليه . وهو ديوانهم وأثير مجالسهم لأنه معقل من معاقل الفصحى ، حفظ عليه ثروة لايستهان بها من صميم مادتها كانت لولاه بعد الله في عالم الفناء .. وضمن ما كتبه الأديب السعودي بن خميس أيضا في المقدمة الخاصة بالشعر الشعبي في الجزء الثالث من كتابه الشوارد يقول (الشعر الشعبي في قلب جزيرة العرب هو بين "صنو" الفصيح فكره وغرض وصورة وبناء ، بل لغة لولا تسهيل في الهمز وتسامح في النطق وتجانف عن الإعراب .. بل أكاد اجزم انه هو المثل المتبقي من سليقة العربي وأصالة بيانه . فهو يصدر منه عن فطره ويؤاتيه عن طبع ويستجيب له عن أصالة سواء كان متعلما أو أميا ، فإذا أرجعته إلى أصله الفصيح وجدت ذلك الشعر السليقي ) .
وقد ذهب عبدالله بن خميس إلى أن الشعر الشعبي قدم فوائد جليلة في مناح عدة من حياته سواء كان في مجاله التاريخي أو الأدبي أو الاجتماعي ، ومن هذا المنطلق يدعوا إلى الاعتراف به كواقع أثرى جوانب مهمة من حياتنا ، ويقول : " والقضية بالنسبة لقرائنا العرب أمام هذا النوع من الشعر قضية اعتراف واستجابة لواجب ، يدعوا إلى أن جانبا من جوانب المعرفة في كثير من صورها لدينا يتوقف على أن نروّض أنفسنا لفهم هذا اللون من الشعر ومن ثم تذوقه والتأثر به كواقع ليس من حقنا التنكر له وقد حمل من تاريخنا ومجدنا وعاداتنا ولهجاتنا الشيء الكثير لا أن نعمل على ديمومته واستمراره وتبنيه مستقبلا على حساب الفصحى وهذا ما نربأ بأنفسنا عنه ".
ويقول أبو عبدالرحمن الظاهري .. لغة العرب في عصر ابن خلدون بالمغرب وغيره هي بداية البداية للشعر العامي بلغة أهل نجد . وقد وفد هذا الشعر العامي إلى نجد ولم يصدر منها وتعشقته قبائل نجد بتأثير السحر الملحمي الأسطوري في أدب اللغة الهلالية في عهود الفروسية العربية وشكل هذا القصائد ومنهجها هو المثال الذي احتذاه الشعر العامي بلهجة أهل نجد .
ويقول الدكتور / طه حسين : " إن في الجزيرة العربية أدبين مختلفين احدهما شعبي يتخذ لغة الشعب أداه للتعبير لا في جزيرة العرب وحدها بل في البوادي العربية كلها ، في الشام ، ومصر ، وأفريقيا ، وهذا الأدب حي قوي له قيمته الممتازة من حيث انه مرآة صافية لحياة الإعراب وباديتهم .. وهو في موضوعاته ومعانيه وأساليبه يشبه كل الشبه للأدب العربي القديم والطبيعي أن يكون الشعر المصور لهذه الحياة كالشعر الذي يصور الحياة القديمة إلى آخر ما أورده . ومهما يكن من أمر هذا الذي يذكره الدكتور طه حسين وعموميته فان الشعر موهبة وملكة فطرية لا تتأتى لكل إنسان وهي من الموروث لا المكتسب ومن غير أن نصنف هذا الشعر إلى فصيح وعامي أو نوزع عليه المسميَّات فهو شعر يفرض نفسه .. سواء رضي أخي سعيد أو رفض وانحراف اللسان عن الفصحى نحواً أو صرفاً لايعطل الموهبة ومعنى هذا أن الشاعر شاعر فطرة فإذا نظم بالفصيح أبدع وشرطه وشاعريته ، وليس من حق احد أن يتطاول على الموهبة فيكبتها أو يلغيها.. فالشعر ملكته واحدة ومن استطاع أن يقول العامي وأجاد اللغة قال الفصيح دون مناقشة مثل شاعرنا الشاب عبدالله بن سفر ، فما الشعر العامي إلا الشعر الفصيح باختلاف التعبير لغة لا غرضاً .. وإذا رفض أخي الشاعر المبدع سعيد الطنيني هذه الأقوال والآراء فعليه أن لا يتكلم بعد الآن إلا بالفصحى .. لأنه من النقص أن تتكلم بالعامية وتقرض الشعر بالفصيح .
وان كنت اختلف مع أخي أبا نصار قليلا إلا أنني اتفق معه على أن الشعر العامي قد ابتلي بالمستشعرين الذين توافدوا عليه من كل حدب وصوب حتى افسدوا الذائقة الشعرية والذين يصرون على أنهم شعراء وهم ابعد ما يكون عن قامة الشعر العامي الجميل سواء كان في مجالات الفلكلور أو المجال العادي .. كذلك شعراء العرضة الذين امتهنوا شعر الإطراء والمديح بمناسبة وبدون مناسبة وجعلوا من العرضة باب للتكسب والربح على حساب الذين لايعجبهم إلا الشعر بالفلوس وهم كثر في مجتمعاتنا ..
وارجوا من الجيل الجديد أن لاينسى تراثه وتراث الآباء والأجداد ولكن يبتعد عن شعراء التكسب والذين يتسلقون على سلالم الشعر الشعبي أو العامي وهم ليسوا كفوا له . وان نقوم بتشجيع من يستحق التشجيع في هذا المجال وليتني أقوم من منامي غدا فأرى بيننا من يماثل ظافر بن جاري البكري ومحمد بن سعيده الخشرمي ومزهر الثرباني ومحمد بن لعدل ومحمد بن زاهر بن خيره وسليمان بن مسعد اليانفي وعلي بنغاش ومن في قامتهم من الشعراء رحمهم الله الذين لازالت أشعارهم وحكمهم في الذاكرة جيلا بعد جيل بعد أن اثروا الماضي بكل جميل وتواصلوا مع المستقبل وهم أموات فما بالك بإحياء في لباس أموات ويصرّون على أنهم شعراء وقد افسدوا كل ذائقة جميلة للشعر العامي والشعبي وعسى أن نراهم قليلا في أوساط الشعر وان يستحون فيسكتون .. ومرّة أخرى اشكر أخواني محمد وسعيد آل عباس في طرحهم واختلافهم وأقول (الاختلاف في وجهات النظر لايفسد للود قضية) ودمتم سالمين .



مع تحيات
محمد بن فراج بن سامره
alfrrajmf@hotmail.com


بواسطة : ابو فراج
 0  0  3596