اصحاب السبت في هذا الزمان
أصحاب السبت في هذا الزمان !
قال الله تعالى في سورة الأعراف : ( واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴿163﴾كما قال تعالى في سورة البقرة : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴿65﴾
هذه قصة من قصص القرآن الكريم مفادها أن قوماً من بني إسرائيل كانوا يسكنون قرية بجوار البحر وكانوا يتعبدون الله ويأكلون مما رزقهم الله من الصيد من هذا البحر . ومن الشرائع التي كلفهم الله بها أن يوم السبت هو يوم عبادة محض لا يجوز لهم فيه الصيد , وقد أراد الله سبحانه أن يمتحنهم . فكانت الحيتان (أي الأسماك) تأتي إلى أماكن صيدهم يوم السبت (شرعاُ) أي فوق سطح الماء وبكثرة لإحساسها بالأمان ولا تأتي بقية الأيام على نفس السمة بل تكون مختفية تسبح كعادتها تحت الماء . فشق ذلك على أهل هذه القرية وهدتهم بصيرتهم الضالة إلى حيلة يتحايلون بها على شرع ربهم , فعملوا على بناء أحواض للصيد ونصب شباك ومصائد قبل يوم السبت فتأتي إليها الأسماك في يوم السبت وتبقى تحتال للانفكاك ولا تستطيع أكثرها المغادرة منها فتبقى إلى انقضاء يوم السبت ويأتي أصحاب هذه القرية فيصيدوا صيدهم دون عناء .
وقد ضرب الله بهم المثل في التحايل والالتفاف على الشريعة .
هذا فيما سبق ومن قوم شهد الله بأنهم كانوا عصاة معتدين وقد مسخهم قردة خاسئين ...
ولكن ما رأيكم كم لدينا من أصحاب سبت في هذا الزمان .
إنهم من بني جلدتنا يتكلمون بألسنتنا ويؤاكلونا ويشاربونا ويصلون معنا غدوة وعشياُ فيا ترى من يكونون ؟!!
تحار عندما تفكر تحديدا في الجمع بين صورتين متناقضتين متضادتين لا تجتمعان أبدا ..
فعندما نأخذ البنوك مثالا نجد أنها كانت تنعت بالبنوك الربوية وكانت الصرخات من على المنابر تكاد تجتثها من جذورها وتذهب بها إلى غير رجعة .
ولكن أمرا ما طرأ فلم يحدث شيء من ذلك وكل ما في الأمر أن تلك البنوك صارت بنوكا إسلامية تقدم حلولا بديلة وشرعية فقد صبغت تعاملاتها بما يسمى الصبغة الشرعية فالعقود باتت تحظى بموافقة اللجنة الشرعية التي تشرف على صياغة الأوراق دون أن تعني نفسها التدقيق في حيثيات تنفيذ تلك العقود . فالتغيير شكلي مجرد تمثل في جعل صياغة الأوراق والعقود صياغة توحي بشرعيتها وبتنا نرى فروعا إسلامية تمتاز لوحاتها ودعاياتها بالنجوم الثمانية الإسلامية والهدف من كل ذلك واضح ومعروف . بينما الواقع يقول إن رأس المال واحد لم ينفصل والموظفون هم لم يتغيروا والأهداف النهائية لم تتغير كذلك .
هذه حالة واحدة ويا لكثرة أصحاب السبت في هذا الزمان !!
أليس منهم من قام يعبث بمواثيق الزواج ويساعد على بناء أسر أو ملاحق أسر عنكبوتية البناء لا تمت لأصول وقواعد الزواج بأي صلة , ولا تحقق من مقاصد الشريعة في هذا الارتباط الاجتماعي الهام أي شيء . رأينا في العشر سنوات الأخيرة أصنافاً من الزواج لم يشهدها تاريخ العرب منذ مئات السنين , فهنا المسيار وهناك المصياف , وهذا قادم من زواج أسبوعي وذاك ذاهب إلى زواج عرفي , زواجات تعقد هنا وأخرى تنهى هناك من أجل التجديد بنفس الطريقة أو بطريقة أخرى .
معظم تلك الزواجات تندرج تحت عقود صحيحة ومكتملة الشروط . ولكن واقعها يوحي بأنها ليست إلا كحلال صيد أصحاب السبت .
هناك آخرين وآخرين والقائمة تطول !!
الموظفون أو المديرون أو من يملكون القرار أو أحد مكونات القرار يعمدون إلى حيل إداريه للوصول إلى غايات محددة , فلأجل حجز موقع مميز لمن يهتمون لأمره بإمكانهم ألا يقترفوا ما يوجب العقاب والمسائلة صراحة , هم لم يرتكبوا الممنوع ولكنهم مارسوا أمورا جعلت سياق كل العمل موجه لخدمة الغاية المطلوبة وهي حيازة موقع مميز لمن يهمهم أمره .
ظاهر إجراءاتهم وخطواتهم توحي بالشفافية التامة وتحقيق العدل وتطبيق اللوائح وباطنها ومبتغاها شيء آخر تماما .
إن أصحاب السبت نصبوا شباكهم وأعدوا أحواض صيدهم في غير يوم عبادتهم ولكنهم كانوا يعرفون حق المعرفة أن جوهر الصيد وعلوق الحيتان لن يتم إلا يوم السبت وهنا يحدث نفس الشيء .ختاماً أقول : قال تعالى ( وَيَمكرون ويمَكر الله والله خير الماكرينَ ﴿30﴾سورة الأنفال .