×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

هدير آلة وأنين محتضر

علي بن هشبول
بواسطة : علي بن هشبول
هدير آلة وأنين محتضر



أ. علي بن هشبول
الأربعاء 24 / 4 1429 هـ
عطفاً على ما كتب هنا حول كارثة التعدين بمنتزهات تنومة بني شهر ، وحصول شركة الخزف على امتياز التعدين واستخراج مادة الفلدسبار من المكان السياحي المذكور . أقول إنني في عجب شديد من وزارة البترول التي مكنت القطاع الخاص من التعدين في مكان مأهول بالسكان حيث المدارس والمساجد والبيوت والمنتجعات السياحية والمراعي والمناحل ، بل هو مقصد معروف للسواح من أنحاء المملكة ودول الخليج العربي.

إن المكان المستهدف من قبل الشركة ليس صحراءً قاحلة نائية ، وليس أودية سحيقة لا تنبض بالحياة ، إنه إيقاع حياة لكثير من المخلوقات ، أكرَمُها الإنسان المنتج الذي من أدنى حقوقه أن يتنفس هواءً نقياً ، وأن ينام قرير العين دونما سطوة حديد وهدير آلة ، وألا يُحرم من جمال ما طبعه الله في أرضه ، وأن يبقى أطفاله في مأمن من تناثر الأحجار فوق رؤوسهم ، ومن حق راعي الغنم أن تبقى أغنامه حوله دون نفور أو إقصاء ، ومن حق مربي النحل أن يعود نحله إلى خلاياه سليماً وغير مغبر الأجنحة والأرجل ليحمل شفاءً للناس ، ومن حق المستثمر السياحي ألا ينفر السواح من المكان الذي أرهق كاهله بمئات الألوف من الريالات إنشاءً وصيانةً.

إن من حق الطالب الصغير ألا يعيق تعلمه أي عائق ، فما بالك بعشرات الجرافات والمجنزرات ، وهي تنقب الصخرة التي بعض زوايا حجرته الدراسية متكئة عليها. بل إن من حق طائر النسر المسالم الذي يقطن وهاد جبال المنطقة منذ مئات السنين أن يبقى حياًّ يرعى فراخه ويقوم بمهمته الفطرية في تنظيف البيئة من الجيف.

إنه أمر عجيب ، وتعمية خبيثة ، وتلبيس حق بباطل ، وتسمية مصطنعة إذ سُمِّي مكان امتياز التعدين المذكور بجبل الصفحة تمويهًا والتفافًا ثعلبيًا من قبل الشركة ، استطاعت به إقناع وزارة البترول في لحظة من لحظات انعدام الوزن، حيث غُمّت الحقيقة ورفع الأمر ، وتم الامتياز في حين أن واقعه الفعلي يمتد إلى قرابة الأربعة كيلو مترات ملتهمةً في مساحتها كما ذكرنا أحياءً ومساجد ومدارس ومقابر ومنتجعات تجارية وسياحية ومناحل ومزارع وخطوط رئيسة لوزارة النقل.

أمر يدعو للذهول !! لقد بلغ الجشع ذروته ، وتجاوز كل القيم من قبل شرذمة قليلين، ومرتزقة وافدين ، فلا فرق في عرفهم بين زيتونة مثمرة وأخرى يابسة ، ولا بين أكمة ومدرسة ولا بين جماد وإنسان ، الكل هنا سيُمتَهن ، الكل هنا سيسحق ، البيئة أرخص ما يكون ، لا ضر أن يتلوث الهواء ولا غضاضة أن تتسمم المخلوقات . في ظل هذا المبدأ التجاري الرخيص ، لا معنى للترفية ، ولا اعتبار للسياحة و الصحة والترويح ، ولا اعتبار لمشاعر وعقول القاطنين ولا الزائرين ، وباختصار فإنه في ثنايا هذا الحدث نستطيع القول أنه لا قيمة للقيم.

هنا ميدان الآلة وحدها ، فعندما تتمكن من فض بكارة الصخرة ، وتنخر كبرياء الجبل الأشم ، وتمزق أوصال الطيور وتلطخ جمال الشجر المثمر ، وحيثما تنفث الآلة سمومها وتعتدي على صخور الله في أرضه ، وتعصف الأخضر وتهشم اليابس ، في هدير لا يهدأ ، وأزيز صاحب لا يفتر ، عندها يحقق الطامع هدفه وتتجلى بغيته وتهدأ ذاته المتعطشة إلى الريال الملطخ بالغبار المسمم ، وإلى إشباع ذاته المريضة التي تحمل شعوراً بعدم الانتماء إلى هذه الأرض الطاهرة ، فلا يصغي عندها إلى أنين محتضر أو يرعى تشتت ذهن طالب ، أو وهن حبلى ، أو غضب مظلوم ، أو تهجير ساكن أو تنفير سائح.

إنها الآلة ، بل هو سائقها الذي يوجهها ، فبدلاً من البناء ، وعمارة الأرض ورعاية الإنسان ، ودعم التنمية ، أخذ ينحو باتجاه التدمير والاقتلاع والتهجير والتفقير.

ولكن(هيهات ) طالما أنه صراع بين حق وباطل فسينتصر الحق ، وسيهزم الجمع ويولون الدبر .

المقالة منقولة من قسم قضية التعدين بالموقع الذي تم اغلاقة .( بهدف ارشفتها والأحتفاظ بها .)..بعد قرار الغاء لامتياز وانتهاء القضية ....ولله الحمد
بواسطة : علي بن هشبول
 0  0  10543