ما هي قصة القرية الجنوبية التي اغتالتها شركة التعدين؟
ما هي قصة القرية الجنوبية التي اغتالتها شركة التعدين؟
الاستاذ - ناصر الشهري - مدير تحرير جريدة البلاد
جريدة البلاد السبت 13 / 4 / 1429هـ
الصفحة ليست ورقة من التقويم.. ولا ورقة من دفتر طالب بليد لم يستوعب درس الجغرافيا ورسم التضاريس.. كما أن الصفحة ليست مجرد ورقة مغشوشة من سندات \"هوامير\" جمع الأموال بطرق غير مشروعة. لكن الصفحة التي أتحدث عنها اليوم هي اسم إحدى القرى التي تقع غرب تنومة بمنطقة عسير وعلى مسافة 90 كيلومتراً من مدينة أبها شمالاً على مرتفعات جبال السروات. هذه الصفحة هي مجموعة من الصفحات التاريخية بسكانها ومزارعها الذين عاشوا ومازالوا يبنون ويزرعون هذا الجزء من الوطن الكبير منذ مئات السنين.
الصفحة الأرض والصفحة الإنسان قصة تضرب في أعماق التاريخ فقد كوَّنت قِبلة التجارة المحلية من خلال إنتاجها الزراعي.. والإنتاج الحيواني.. كما انطلق نخبة من سكانها إلى فضاء التجارة فوفروا احتياجات المنطقة بكاملها من مواد الغذاء والبناء. وشاركوا في تنمية مدينة تنومة بصورة فاعلة وطموحة انطلقت من إحساس وطني لا يهدف إلى الكسب فقط بقدر ما كانوا يصلون إلى شطب الديون عن الأسر الفقيرة في الزمن الصعب. هذه الصفحة وهو اسم لم يتغير لذلكم الجزء من تنومة ولدت للوطن أيضاً العلماء والقادة العسكريين.. وكوكبة من المثقفين وروَّ اد للتعليم قدموا ومازال عدد كبير منهم يقدم خدمته لقيادته ولوطنه وأمته وقبل هذا لدينه منطلقين من أعلى منارة تم بناؤها في تلك المنطقة قبل أكثر من مائة عام لمسجد يتوسط مبانيهم التاريخية المتميزة.
واليوم ماذا حصل لهذه الدوحة الغنّاء وصفحات التاريخ العريق، وأنشودة شعراء الجنوب في الزمن الجميل. لقد هاجمتها كل معدات \"التكسير\" والحفر وتفجير الجبال والتلال فوق مزارعهم وطرقاتهم لتنال من الطبيعة والاثار وتهدد مواقع قبور موتاهم في \"صفعة\" قاسية لحياتهم وذلك من قبل إحدى الشركات الباحثة عن \"التعدين\"، الأمر الذي أدى إلى عدم قدرة سكانها على البقاء وسط كل هذه الآليات التي لا ترحم أصواتها أطفال الحي ولا كبار السن ولا المرضى. ولم يكن أمام عدد كبير منهم إلاَّ مغادرتها تاركين منازلهم لأمل قادم من القيادة الرشيدة يمنع الاستمرار في البحث عن التعدين على حساب التوطين.. ورفع المعاناة عن سكان الصفحة الذين هم أغلى ثروة وقيمة من مكاسب التعدين. خاصة أن النظام يمنع الترخيص لأي شركة من هذا النوع داخل المجمعات السكنية والقرى الزراعية وهو ما ينطبق على الصفحة حسب توصيات لجنة وزارية سابقة. وهو ما يؤكد حرص الدولة على استقرار وراحة المواطنين في كل مكان من أرجاء هذه الأرض.. وهذا التأكيد هو ما يشدد بل يحرص عليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله في كل مناسبة معززاً ذلك بقوله : إن المواطن السعودي هو الثروة الحقيقية.
وبالتالي فإنني واثق تماماً من وضع حد لهذه المعاناة حين يصل صداها إلى ملك الإنسانية.. وتستعيد قرية الصفحة هدوءها وسط استقرار سكانها. لتكتب صفحات جديدة من تاريخها تدوّن فيها واحدة من اللفتات السامية لقائد الخير وملك الحب والعطاء. حيث أفاد أهالي المنطقة أن الشركة تعتزم العودة للعمل بطريقة موسعة في انحاء متعددة من المناطق المجاورة وليس في الصفحة وحدها بعد أن توقفت لفترة محددة.