×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

الديمقراطيات العربية إلى أين؟

الديمقراطيات العربية إلى أين؟
كان ـ ومازال ـ مفهوم الديمقراطية في الوطن العربي بعيدًا عن الممارسة العقلانية لثقافة وتجارب الشعوب المتقدمة، سواء في البعد السياسي أو الاجتماعي، وذلك من منطلق خطابات حزبية ودينية لم تستوعب مفهوم المشروع الديمقراطي، وثقافة الحوار في دول مازالت مجتمعاتها تعتنق النعرات القبلية والحروب المذهبية وتوارث الحقد والخصام. وإذا كانت بعض الدول العربية قد فتحت الباب على مصراعيه لدخول التجربة؛ فإنها قد دفعت ولا تزال تدفع الثمن نتيجة الإفراط في إعطاء الديمقراطية لشعوب لم تستوعب أساسًا مفهوم الديمقراطية، فكانت النتيجة ظهور جماعات في أشكالها الحزبية ترفع شعارات مختلفة، فمنها من يراهن على السلطة، ومنها من يريد تقاسم الكعكة، وآخرون يتوزعون ما بين العمالة للخارج وممارسة العنف في الداخل.
في لبنان عاش ومازال ذلك البلد ما بين المد والجزر في حياته السياسية نتيجة الأرقام المتعددة للأحزاب وسط اتجاهاتها المختلفة، وكأنها قد شرَّعت المعنى الذي كان يحمله (الماعز) الذي تم لف مقدمته بالوشاح الأحمر في ميدان العرض العسكري عام 1946م عند خروج آخر جندي فرنسي من لبنان، حيث قالوا يومها: إن الماعز والوشاح الأحمر يهدفان إلى معنى التملق والنفاق.
ورغم الفترة الزمنية التي عاشها لبنان مستقرًّا إلا أن نشوة الاستقلال قد حملت معها الكثير من العناوين التي أفرزت مشاريع سياسية متعددة وصاحبتها صحافة لها ولاءاتها باسم الديمقراطية ليدخل البلد (الأنيق) في أكثر من نفق ظلام لا ينتهي، كلما كانت هناك محاولة لرؤية شجرة الأرز من منفذ يضيء للِّبنانيين الطريق في بلد أنهكته شعارات الديمقراطية في منابر الكلام صباحًا ومساءً.
وفي اليمن انعكس مشروع الديمقراطية إلى مفهوم خاطئ لدى بعض الجماعات والأفراد ووسائل الإعلام، حتى إنها رفعت شعارات تهدد الوحدة وتسيء لمكتسباتها وعملت بعض الصحف هناك على محاولة النيل من علاقات اليمن بأشقائها، وهو ما جعل الحكومة اليمنية تعمل على إعادة النظر في التعامل مع حرية الصحافة بالطريقة التي تحافظ على مكتسبات البلاد وعلاقاتها مع الآخرين، حيث أوقفت العديد من الصحف، وقامت بإنشاء محكمة لمحاسبة الصحافة.
وبالتالي فإنني لا أعتقد أننا بحاجة إلى الإسهاب في الكلام عن التجربة الصومالية، ولا الموريتانية ولا غيرهما، من الدول العربية الأخرى سواء في صراعاتها الحزبية أو البرلمانية أو الإعلامية. لكنني أخلص إلى القول: إن المجتمع العربي مازال يعيش الديمقراطية بمفهوم العنف والمؤامرة والمزايدات وتغليب المصالح الخاصة. ومن ثم فإن الشعوب هي التي تدفع ثمن الممارسة الخاطئة لثقافة الديمقراطية على الطريقة العربية التي ما تلبث أن تتحول إلى دمار وخراب بيوت.
قد يقول البعض إنني ضد الإصلاحات التي تستهدف حريات الشعوب وإعطائها حق الممارسة الديمقراطية. وهذا غير صحيح، ولكنني مع الديمقراطية المنضبطة التي تبني ولا تهدم، ولا تخطف الأرض والإنسان إلى ما هو أسوأ.


ناصر الشهري
مدير تحرير صحيفة البلاد السعودية
جدة
 0  0  2719