×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

النظام النظام

مقال في غاية الروعة للشيخ الدكتور . عائض القرني قرأته بتمعن فرأيت أن من المناسب لا تفوتنا فرصة الإطلاع عليه هنا في موقع تنومة الإلكتروني لنستفيد مما طرحه في زاويته الأسبوعية (أما بعد) في ملحق الرسالة الصادر عن جريدة المدينة وهي فرصة لمن إحتار في تنظيم وقته أن يطلع على هذا المقال القيم.
أترككم مع المقال:
النظام النظام
من أراد أن يصل إلى مقصوده ويحقق مرامه فعليه بالنظام، فإن الكون بُني على النظام، كل شيء في العالم بحسبان (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، كن نظامياً في حياتك، فالصلوات الخمس تعلمنا النظام؛ لأنها في أوقات محدودة معلومة والصوم في وقت معلوم والزكاة عند تمام الحول والحج في أشهر معلومات، فخلق الله وشريعة الله قامت على نظام مرسوم وقانون معلوم، فلماذا أيها الإنسان تخالف هذا النظام؟ نظم أعمالك على أوقات الصلوات إن استطعت فبعد الفجر ذكر وتلاوة، والضحى إلى الظهر عمل وكسب، وبعد الظهر غداء وقيلولة، وبعد العصر قراءة واطلاع ومذاكرة، وبعد المغرب للأهل والأصدقاء، وبعد العِشاء عَشاء ونوم، وفي آخر الليل تهجد وتلاوة، ويوم الخميس للنزهة والراحة، ويوم الجمعة للعبادة والدعاء والتبتل، نظّم وجبات الطعام في أوقات محددة لا تتقدم ولا تتأخر، ونظم أوقات الزيارة لك وللناس واحذر الفوضوية في حياتك؛ لأنها علامة الفشل وبرهان الإخفاق، ولتكن لك أوقات في حياتك معلومة، ساعة للقراءة، وساعة للتلاوة، وساعة للرياضة، وساعة للأهل، وساعة للتأمل، وساعة للناس، وسوف يبقى عندك وقت طويل إذا سلكت طريق النظام، أما إذا عشت بلا نظام فقل: على الوقت السلام؛ فسوف تكون حياتك ضياعاً في ضياع.
ومن النظام ترتيب مكتبك ومجلسك وغرفة نومك وسيارتك وملابسك، فعش مرتباً في كل شأن من شؤون حياتك، أوراقك، كتبك، أقلامك، هاتفك، حقيبتك، ملابسك، في أمكنة محدودة معلومة، تجنب البعثرة والفوضوية، وتخلص من الفضول في حياتك، تخلص من الأوراق الزائدة والأقلام التالفة، والملابس البالية، والأجهزة المعدومة، وعليك بالترتيب والاقتصاد، لتعيش هادئ البال، مرتاح الضمير، ساكن النفس.
إن النظام في حياتك موفق، ناجح، ملهم، أما الفوضوي فإنه فاشل محبط راسب. أما تغار من الشمس والقمر، كيف أنهما يمشيان بحسبان ويتحركان بانتظام؟ أما ترى الليل والنهار يذهبان ويجيئان برتابة ونظام؟ فلماذا تخالف سنن الكون وناموس العالم؟ إذا لبست ملابسك فرتب كل شيء في محله، واحرص على الطيب والنظافة، والترتيب والتوسط في الأمور، وأعطِ كل شيء حقه وقدره، فوقت الصلاة إقبال وخشوع وتركيز على الحضور، ووقت العمل جد واجتهاد وإتقان، ووقت القراءة تدبر وتأمل واستفادة، ووقت الأهل سرور وأنس ومرح، ووقت الضيف استقبال وإكرام وحفاوة، ووقت الوالدين بر وطاعة وتذلل.
ومن النظام إعطاء كل ذي حق حقه، فلله حق، وللأهل حق، وللعين حق، وللنفس حق، وللضيف حق، وهناك حقوق ينبغي مراعاتها، فحق العقل أن تنميه بالعلم النافع وتذكيه بالفضائل، وحق النفس أن تطهرها بالإيمان وتنقيها من كل رذيلة، وحق الجسم أن تعطيه حقه من الحلال وتطالبه بأداء الواجبات الشرعية. والنظام يختلف باختلاف الناس ومواعيدهم وأعمالهم، فلطالب العلم نظام في قراءته وحفظه وتعليمه للناس، وللقاضي نظام في حضوره وجلوسه وفصله بين الخصومات، وللأستاذ نظام في تعليمه للطلاب وتربيته للجيل واستعداده لدروسه، المهم أن يكون عندك برنامج مسبق لكل يوم، فتكون مستعداً لكل لحظة من لحظات اليوم، ولا تغرب عليك شمس هذا اليوم حتى تملأه عملاً وإتقاناً وعبادة وخيراً وفضيلة دون ملل أو إرهاق، بل تعيش حياة رضية سوية طبيعية لا إفراط ولا تفريط، لا غلو ولا تقصير، فهذه هي الحياة الطيبة لأنها حياة النظام، النظام في الصلاة والمطالعة والأكل والشرب والنوم والاستيقاظ والزيارة والعمل والسفر والنزهة، وكل نشاط تؤديه، وليكن في جيبك برنامج مفصل لعمل اليوم ومواعيد الأسبوع والشهر والسنة، وإن لم تفعل ذلك فسوف تعيش صغيراً وتموت صغيراً والصغار منسيون، والصفر إذا صار على يسار الرقم صار مهملاً ملغياً مهمشاً. فأعيذك بكلمات الله التامات من شر شيطانك وهواك ونفسك الأمارة، ومن تضييع الأوقات وإهمال الواجبات، فإنها حسرات ونكسات وعثرات.


الشيخ ـ الدكتور / عايض بن عبد الله القرني
هذا المقال منشور في ملحق الرسالة الصادر عن جريدة المدينة
الجمعة 19/6/1430هـ
 0  0  3117