اللعب شعلة الإبداع
اللعب هو ملاذ الطفل وأجمل لحظات حياته، ويعرّف بأنه: ذلك النشاط الحر الفطري التلقائي الذي يحقق للنفس المتعة والتسلية، وتتم من خلاله عملية النمو والتطور عند الطفل. ويعد أسلوب التعلّم باللعب أسلوباً مهماً في التربية الحديثة، فيمكن للآباء والتربويين استغلال لعب الأطفال بذكاء لتنمية سلوكهم، وزيادة معارفهم فتتوسع أفاقهم ومداركهم. وتؤكد النظريات والدراسات النفسية منذ قديم الزمان أن اللعب لا يعتبر عبثاً بل هو المرحلة الخصبة واللبنة الأساسية لدعم جميع مجالات النمو والتطور لدى الأطفال وخاصة التطور العقلي والمعرفي.
وللعب الأطفال فوائد متنوعة ومهمة مثل الفوائد العقلية، الإبداعية، الجسدية والنفسية، وباستخدام الطفل لجميعَ حواسه فإن قدرته على التركيز تتطور، ومن ثَمَّ يتطور فهمه وإبداعه. فتنمية الإبداع باللعب أمرحمتي، حيث يدفع الطفل إلى التفكير ضمن سلسلة من النشاطات العقلية عندما لا يعرف ما يجب فعله، بالتالي فأن اللعب عنصر أساسي في نمو عقل الطفل وإثارة تفكيره،(الحيلة ،2008م).
وقد ذكر الجابر(2007م) أن بعض الألعاب لها دور في استكشاف الطفل لنفسه وللعالم المحيط به، حيث تنمو لديه مهارات فردية، اجتماعية، علمية وإبداعية ويُعتبر(جان بياجيه)- صاحب النظرية النمائية للطفل- أن اللعب هو الوسيلة الأولى للتعلّم والمحفزة لنمو الطفل ولنشاطه العقلي بالدرجة الأولى، فتتألق لديه الذاكرة والإدراك والتخيل والكلام والانفعال والخصال الأخلاقية، لذا على التربويين وأولياء الأمور مراعاة عدة جوانب في لعب الأطفال مثل:
- إتاحة المثيرات الملائمة للنمو العقلي.
- تنمية الدوافع والميول.
- الاهتمام بالإجابة عن تساؤلات الأطفال.
- استغلال الهوايات الخاصة بكل طفل.
- الاهتمام بالقصص والألعاب التي تناسب التطور الفكري.
ويُعدُُّ اللعبَ- أيضا- أداة مساعدة لتفاعل الطفل مع البيئة ومحفزا للإبداع؛ فعندما يمارس الطفل اللعب الإيهامي يبتدع الحوار ويختار الأدوار بنفسه، فيقوم تارة بأدوار التسلط أو الخضوع كما في دور الوالد والرضيع، ويقوم تارةً أخرى بأدوار أبداعية كدور الطبيب والمريض أو حتى دور المعلم والطالب، وبالتالي يتعلم الطفل السلوك الاجتماعي الملائم لكل موقف، ويتوسع خياله، وتظهر إبداعاته، فالطفل من خلال اللعب يعبر عن حاجاته ورغباته وقد يعكس جانباً من حياته الواقعية.
ومن هنا نرى أن هناك ضرورة لدمج الألعاب وتنويعها ضمن الحصص الدراسية، مثل الألعاب الفنية واللغوية والرياضية، وكذلك فإن تصنيف الألعاب لتحقق دورها في تنمية الذكاء حسب ميول الطفل أمر في غاية الأهمية، فمثلاً أثناء لعبة "التمثيل" أو، "تقمص الشخصية" يقوم الطفل بتحفيّز عقله باختيار مفردات جديدة، حيث تظهر قدراته ومواهبه الكامنة ويزيد ذلك من روح المنافسة لديه، أما لعبة "النهايات المفتوحة" فتثير الطفل ليكتشف طرقاً جديدة مبدعة لحل المشكلات عن طريق إيجاد البدائل التي بدورها تساعده على حسن اتخاذ القرارات.
فقد ذكرت الكرود (2008م) في دراستها، أن في كثيراً من المدارس الأمريكية تم تعزيز المنهج الدراسي بالرحلات والألعاب، إذ المعلمون أهمية كبيرة بالتعلّم باللعب وأصبح يشكل جانباً مهماً في جميع مواد المناهج الدراسية، فالألعاب في المنهج الأمريكي تبدأ منذ اليوم الأول لالتحاق الطفل بالمدرسة، حيث تبدأ بما يسمى "Icebreaker" أي: تذويب الثلج، ويقصد به كسر الحواجز، ويتأتى هذا عن طريق المراجعة المسلية الهادفة للقصص مثلاً،أو أي العاب تعود على الطفل بالنفع والتسلية، ومن ثم تسهيل استيعابه للمادة الدراسية. وأكد العلماء على أن الإنسان عندما يكون في حالة من الراحة النفسية وهو على إدراك تام لما يدور حوله فإن دماغه يبعث موجات (ألفا) الإيجابية الباعثة على السعادة والتي بدورها تحفز على الإبداع، (رضا،2007م).
واللعب من جهة أخرى له دور كبير في تنمية المهارات الاجتماعية، إذ إن لعب الطفل في المنزل مع أفراد أسرته يعدُّ من أهم السلوكيات التي تكسب الطفل مهارات وفوائد نفسية ذات أثار مستقبلية. و ينعكس اللعب الأسري الجماعي بشكل ايجابي على نفسية الطفل وعلى إحساسه بالأمان، وزيادة راحته النفسية، فما على أولياء الأمور إلا توفير الألعاب المناسبة لعمر الطفل وقدراته. ويحبذ أن يصاحب اللعب تشجيعاُ من الوالدين ومدحاُ لصفات طفلهم، وتدريبه على التعاون والصبر والتأني، والتفكير واحترام الآخرين بانتظاره للدور، فكل هذا يوجد بدوره بيئة صحية متوازنة وطفلاُ مبدعاً واثقاً بنفسه، متزناً في تصرفاته وسلوكه.
وورد في تاريخنا الإسلامي مثالاُ على أهمية اللعب، ففي بعض الروايات ورد عن الطبراني: (أن -الرسول صَلى الله علية وسلم-مَرَّ على صبيان وهم يلعبون بالتراب، فنهاهم بعض أصحاب النبي - صلى عليه وسلم- فقال : "دعهم فإن التراب ربيع الصبيان "، وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ): "علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل".
وهذه الأهمية التربوية للّعب لم تغب عن أذهان علماء التربية الإسلامية، فقد أشار الغزالي - رحمه الله إلى أهميةَ اللعب للطفل، وأرشد الآباء والمربين إلى ضرورة السماح للأطفال بقسط منه فيرشد المربين في الكُتّاب قائلاً: "ينبغي أن يُؤْذَن للصبي بعد الانصراف من الكُتَّاب وأن يلعب لعباً جميلاً يستروحُ فيه من تَعَبِ المكتَبِ، بحيث لا يتعب في اللعب فإنَّ مَنْعَ الصبي من اللعب وإرهاقَه بالتعلم دائماً يُميت قَلبَهُ ويُبطِل ذَكَاءَهُ وينغص عليه العيشَ حتى يطلب الحيلة في الخلاص من الكُتّاب رأساً". وكلمة (الكتّاب) هنا تعني (المدرسة).
كذلك فإن اليابانيين ما فتؤو يحثون أطفالهم و طلابهم على اللعب، ويحفزونهم على الإبداع والاكتشاف بالرغم من قسوة الحرب العالمية الثانية التي خاضوها والدمار الذي حل بهم جراء قنبلتي (هيروشيما)، (وناجازاكي). فبالرغم من ذلك أنتجوا واكتشفوا المواهب ودربوها لبناء التكنولوجيا اليابانية التي اجتاحت العالم بقوة وفرضت نفسها على جميع الدول.
ومما لا شك فيه فان هدف تنمية إبداعات الطفل وإثارة تفكيره ليبتكر وتحفيز عقلة ليبدع تضل من مسؤولية الأسرة والمدرسة معاً. وتضل أهمية تعزيز مناهجنا و إثراءها بالتجديد في كل المجالات المهمة كالألعاب التربوية المحفزة والمبتكرة موضوعاً يجب النظر إليه بجدية. وبالتأكيد فأن التعلم باللعب سيسهم في أعداد الطفل ذو الشخصية المتكاملة المعتد بدينه وتاريخه، مستعداً لتحديات المستقبل و مواكباً لتطوراته و قاهراً لمستحيلات فيه. ولنتذكر دوماً أن الاستثمار في الطفولة هو الأصل في أعداد مجتمع المعرفة والإبداع، فهيّا معاً لنهيئ مجتمع الطفولة والألعاب.
المصدر : موقع موهبة