×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

التدين بين الفكر والسلوك



في المجتمعات المتدنية يكون للتدين مكانته القدسية التي تقدم له امتيازات وصلاحيات قد لا يكون أهلا لها وتحميه من أي خدش لصورته أو بيان لأخطائه لأنه يمثل الدين وإن كان تمثيله ظاهريا وهذا ما جعل التدين في تلك المجتمعات ينشأ سلوكا لا فكرا ومشاعر مستوحاة من عظمة الدين وشموليته , فالتربية الدينية هي تربية سلوكية بحتة لا تؤمن بالفكر ودوره ولذلك بقيت المنظومة التدينية الظاهرية أكثر أمنا واطمئنانا وفي صورة متينة ومتماسكة, كما أن المجتمع المتخلف جعل للمتدينين قدسيتهم في المنابر والمحاضرات والبرامج ولذلك كان الفكر الديني فكرا حديا إما جنة أو نار إما سعادة أو شقاء فمنع ذلك من نشوء النقد وذلك من خلال بناء المجتمعات المتخلفة للمتدين حصونا وقلاعا يحمي بها نفسه ويحفظ مكانته من أي نقد أو جدال.
وعلى العكس تماما فإن تلك الحصون همشت المتدين وأبقته بعيدا عن التطور فكان أقرب إلى الاضمحلال وإن استعان المتدين بالنصوص التي يستطيع بها أن يستهوي قلوب مجتمعه ويقنعهم بها إلا أن نظرته الفكرية اضمحلت وذلك لجمود فكر التدين ولعيشه في الماضي وهذا ما جعل المجتمعات المتدينة أكثر تخلفا لبعدها عن التطور ولمنع نفسها من مواكبة الحضارة لذا فإن مشكلة التخلف الحضاري القائم تكمن في التدين وليس في الدين ولن يتم لنا التقدم المنشود من دون الانفتاحية ومواكبة العصر والبعد عن العيش على فتات الفكر في الأزمنة الماضية.
في العصور المظلمة في أوروبا كانت تعاليم الكنيسة تحرم كل تقدم وازدهار ولذلك تخلفت أوروبا في زمنها وعندما تحررت من الكنيسة انطلقت أوروبا نحو التقدم الحضاري الهائل.
وقد كان للتدين سلطته المهداة والتي قامت على جهل المجتمعات المتخلفة واتباعها الأعمى للمتدين فأصبح يمتلك العصا التي يقود بها المجتمعات العمياء وعلى "زمزمة" النقد التديني الذي يمنع به المتدين ذلك النقد من الانتشار لا للاستفادة منه والحفاظ عليه وإنما لمنعه من إظهار الأخطاء الفادحة للمتدينين وتبيان الرؤى الصحيحة للدين ولكن السلطة المهداة لا تدوم.
ولعل الجمود الفكري الذي يعيشه المتدينين والذي منع بسلطته الفكر الديني الصحيح والنقد التديني من الظهور خوفا من تشويه صورتهم والذين هم من يمثلون الدين ولأن جمود الفكر يؤمن بالرضا رضيت تلك المجتمعات بالتخلف وأكثرت مديح نفسها وهمشت النقد والفكر الديني الصحيح يسعى إلى إيجاد التدين في المجتمع بجوهر فكري لا مظهر سلوكي ويسعى إلى بناء منظومة فكرية تقوم على النقد وحرية الرأي ولكن المجتمعات المتخلفة أسست منظومة اجتماعية تدثرت برداء الدين ولأن جذور الفكر المجتمعي عميقة وحينما كان الفكر المجتمعي الجهولي هو من يسير الفكر التديني كان من الصعب تغيير ذلك الفكر الخاطئ وهدم منظومته المجتمعية الصلبة التي جلمدت هي والفكر التديني العقول في ظل سلطتها واستحواذها ولن يكون لنا ازدهار وتقدم من دون منظومة فكرية قوية تقودنا إلى الحضارة وإن اردنا ذلك فعلينا أن ننزع كثيرا من صلاحيات المتدين التي مكنته من السلطة والسعي إلى ظهور المنطق وتحكيم العقل.
لذا فوجود التدين بهذا الفكر هو أحد أهم سمات التخلف ووجود المتدينين بهذا الكم أصبح ككرة الثلج التي كلما تدحرجت كبرت فكان ضررها أكبر.

إضاءة:
ضرر التدين السلوكي يكمن في جمود الفكر والسلطة المهداة


بقلم
محمد عوض الأسمري

 0  0  3959