×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
×

ودّع القلق واستقبل الحياة

ودّع القلق واستقبل الحياة
حين نشر ديل كارنيجي " Dale Carnegie‏ " كتابه الأشهر "كيف توقف القلق وتبدأ الحياة" How to Stop Worrying and Start Living سنة 1948م كان المجتمع الغربي ما زال يحاول أن يفيق من الصدمات النفسيّة والاقتصادية بعد أن خاض به الجنون الاستعماري الغربي الحربين العالميتين المدمرتين اللتين عصفتا بأرواح ملايين البشر.

وقد لقي الكتاب رواجاً عالمياً كونه نفذ إلى أعماق إنسان عصره وقدم وصفاته المركزة لمن يحتاجها. وما أشبه حال الإنسان العربي اليوم بإنسان الغرب آنذاك جراء التحولات الفكرية والاقتصادية الرهيبة التي أحدثت موجات التغيرات الاجتماعية ما جعل الإنسان العربي في ذهول حضاري يبحث هنا وهناك عن ذاته وأدواته في عالم لايحترم إلا المبدعين.

ونحن وسط هذه الثورة الاتصالية التي وصلت الحضارات وفصلت الخصوصيات يبرز السؤال هنا عما أصاب الإنسان العربي في عمق ذاته، وجعله في حالة من عدم التوازن الحضاري مع بقية شعوب الأرض؟ والإشكال هنا أن صورة عدم توازن شخصية الإنسان العربي باتت مشرّحة على الفضاء الالكتروني وعلى شاشات الفضائيات، وكلّ من عليها إما شاهداً أو مشهوداً على (قيمة) ما نملكه في هذا المشهد الحضاري الاستثنائي.

على المستوى الاستراتيجي يبدو ألا حيلة للفرد العربي في النهوض بالقرار الحضاري المركزي أو حتى تصويب الاتجاه الذي تديره النخب الرسمية منذ عقود ، حتى وإن جرت تحركات شعبية (فردية) صاخبة في ميادين بضع عواصم عربية فهي حتى اليوم لا تملك إلا المزيد من الصراخ وستنبت ارض السخط نخباً جديدة لاتجيد سوى تأخير الساعة، وضبط عقاربها على توقيت حضاري فات موعده.

ولهذا فكأن الظروف تقول (للفرد) العربي إن عليه أولًا أن ينشغل بنفسه ويراجع أولوياته ليستعيد توازنه، ويودع القلق (مؤقتا) فلعل استقباله للحياة يُنتج مجتمعا صحيا يظهر من صلبه أفراد يبدعون ويغيّرون. ومما علمتني الحياة أن القلق رفيق عدم القناعة فكلما زادت طموحات الإنسان وبالغ في حاجاته مع قلة إمكاناته وفقر واقعه ساوره القلق والتوتر على كل تفاصيل صورة غده، فنسي يومه وما فيه من مباهج وأمل.

وحين تغيب القناعة تجد المرء لا يقر له قرار في محيطه الأسري متذمرا متوترا وفي مهنته قافزاً من مركب طموح إلى مركب آخر لينتهي به المطاف على رصيف العمر أسير الحسرات على أيام ولّت وقد صرف أروعها في مضمار الركض والتنافس العبثي.

ومما علمتني الحياة أن المبادئ والقيم راحة للروح وما أجمل الحياة في ظل دين واعتقاد ، فحين تحتكم النفس للمبادئ النقيّة تجدها متصالحة مع كل ما حولها، تعمل بصفاء وتنتج بلا ضجيج، مطمئنة لانجازها، راضية بقضاء الله حتى مع فوات فرصة أو تحول مغنم.

ولقد سمعت من ذوي التجارب أن لا سلام حولك ولا صفاء داخلك إلا إذا كان المبدأ حاكم التصرف، والقيمة ضابط السلوك وبهذا يمكن أن يودّع المرء القلق ويستقبل الحياة.

**مسارات:

قال ومضى: لا تفتح ذراعيك لاستقباله .... فحتى القلق (ينمو) مع كثرة احتضانه.
د. فايز بن عبدالله الشهري
 0  0  2449