من يصنع صورتنا في الصحافة الغربيّة؟
د.فايز بن عبدالله الشهري
تتبّعتُ بعض ما كُتب عن قضايانا المحليّة وعن مجتمعنا في بعض الصحف العالميّة خلال شهر مايو الماضي، وركّزت على الصحافة البريطانيّة كون "لندن" ستكون مربط "خيل" وربما "هِجن" بعضنا طيلة شهور الصيف ناهيك عن حقيقة أن مدينة الضباب ستظلّ لعدة عقود عاصمة "القرار" الغربي - ما بقيت "أمريكا"- ، مهما " نططت" فرنسا " أو استقوت "ألمانيا". والمهم هنا أن خلاصة مطالعة معظم هذه الصحف البريطانيّة وما نشرته عن السعوديّة والسعوديين في شهر "مايو" تكشف عن هيمنة الأخبار السلبيّة ومعها التفسيرات غير الإيجابيّة التي تكاد تكون طاغية على أهم الأشكال الصحافيّة. والسؤال الذي قد يتبادر لذهن القارئ هو ماذا نشر عنّا ، أو هل ما نشر عنّا هو الحقيقة أم خلافها؟ بشكل عام ومن باب الإنصاف العلمي لابد من التأكيد على أن معظم هذه المؤسسات الإعلاميّة العريقة أوعى مهنيا وقانونيا من أن تتورط في قصص محض كاذبة تقودها إلى المحاكم أو تؤدي بها إلى السقوط المهني. الإشكاليّة الأبرز أن معظم الأخبار التي نُشرت ونراها سلبيّة هي في واقعها صور (ربما مشوهة) من تصرفات أو تقصير بعضنا، أو هي صدى لنشاطات ومطالبات وقودها مبادرات "وتهورات" غير محسوبة لبعض "المتحمسين" و"المتحمسات" ممن استغوتهم المغامرات الفرديّة اندفاعاً أو بحثاً عن صيت تحت إغراء "الريادة" (الأنانيّة) ولمعان فلاشات الإعلام الأجنبي، وهم لا يعلمون أنهم بذلك غيّبوا أو خوفوا الصوت (الاجتماعي) الحذر بطبعه (من كل أجنبي) مع أنّه هو صاحب الحق الأبيض في المطالبة بحقوقه.
ولأن القاعدة تقول " الإعلام المحايد لا وجود له" فإن مؤسسات الإعلام البريطانيّة (الصحف تحديدا) لا تعمل كلها باستقلاليّة تامة إذ لا تخلو معظم الصحف الإنجليزيّة الشهيرة من ارتباطات حزبيّة وفكريّة تقود خطوطها العامة، وتهيمن على لونها الإعلامي. فمن المعروف مثلًا أن خط "اليمين" السياسي والفكري (المحافظ) في بريطانيا تدعمه صحفٌ مثل "التلغراف" "صنداي تايمز" "تايمز" "ديلي إكسبرس" "ديلي ميل" في حين تجد الأفكار العماليّة اليساريّة (وفق الصيغة البريطانيّة) مجالها في صحف أخرى مثل " الاوبزرفر" "الغارديان" وكذلك الصحف الشعبيّة مثل "ذ ميرور" "ذ ستار" وغيرهما.
والعجيب أنّك تجد دراسات استراتيجيّة عربيّة تُبنى عليها بعض خطط وبرامج الإعلام الدولي العربي وهي تغفل هذه العوامل، ولا تستقرئ علاقة الصحف المؤثرة بأحزاب الحكم والمعارضة. وفي بعض هذه الخطط نجد أنها تُعلي من أهميّة تأثير الصحف الموجهة للنخب مع أن الواقع الأوروبي يقول إن فاعليّة الصحف الشعبيّة (الصفراء) أكثر عمقا لجهة الأثر في أصحاب القرار (النواب) الذين يختارهم "الشارع" بحكم أن السياسي في العادة لديه الاستعداد لإرضاء الشارع، حتى وإن خالف قناعاته السياسيّة والأخلاقيّة. ووفقاً لكل هذا فلابد من أن نستوعب أن صناعة الصورة الإعلاميّة تأتي من طرفين أحدهما (نحن) حين نتطوّع بتوثيق نقائصنا وآخر (خصم) يتربص للاستثمار فيها..
** مسارات :
قال ومضى: رَآَهُ مُنْكَسِرَاً وَقَدْ كَانَ ذَا شَأْنٍ .. فَقَالَ .. عَجَبِيْ ..لِمُجْتَمَعٍ لَا يَصْنَعُ (الْرُّمُوْزِ) وَلَا يُحَافِظُ عَلَىَ مَنْ كَافَحَ لِيَصْنَعَ اسْمَهُ..