الفراسة علم وذكاء.
الفراسة علم وذكاء.
استحوذت الفراسة أو المقدرة على قراءة الوجه , على اهتمام العلماء منذ زمن بعيد. تترسم على وجه الإنسان دالة على شتى الانفعالات واحدة شاملة , فالابتسام أو العبوس أو الدهشة نستطيع أثارها على نمط واحد على مختلف الوجوه سواء أكانت وجوه متحضرين أم بدائيين ومهما اختلف الأقطار وتباعدت الشعوب.
ان الإنسان يعبر عن هذه العواطف الثلاث بصورة واحدة لا تتغير تقريبا وعلماء النفس ذوو الارتباط بالأعصاب قد بدؤوا مؤخراً يدرسون التباين في التعبير بين احد جانبي الوجه والجانب الآخر, في حين ان دارسي العملية الشعورية قد اثأر اهتمامهم طريقة تعرف الإنسان إلى وجوه أو تذكر ملامح إنسان كان يسكن هذا الحي أو ذاك منذ ثماني أو عشر سنوات .
إن جمع هذه النتف من المعلومات واحدة بعد الأخرى يفضي في النهاية إلى ما يسمى علم قراءة الوجوه وهو علم قديم قدم الإنسان نفسه .
وقد أولى أفلاطون وأرسطو علم الفراسة اهتمامها واسبغا عليه شيئا من الصدق والواقعية ومن القصص التي راجت حول سقراط في الزمن الغابر ان ذلك الفيلسوف قد أتاح لأحد علماء الفراسة ان يدرس ما توحي به ملامح وإسم سقراط الذي كان احكم زمانه , بأنه " غبي سقيم النكتة " لان مؤخرة عنقه كانت خالية من الأخدود ووصفة أيضا بأنه زير نساء.
إلا ان العلم في أيامنا لا يسَّلم بوجود أي علاقة بين تقاطيع الوجه وخصال الإنسان الذي يحمل ذلك الوجه , وان شكل الأنف مثلا لا يمكن ان يكون له ادني تأثير على المسلطات الذهنية وكذلك الجبهة والعينان وما إليها .
ولكن العلم كما نعرف هو من الأمور الحديثة العهد نسبيا في تاريخ البشرية فهناك عادات وأفكار لا دخل لها بالعلم لا تزال تتشبث في دخائلنا جميعا وهكذا نجد كثيرا من المعارف التي لا علاقة لها بالعلم راسخة الجذور في الإنسان بل أنها قد تزدهر أحيانا
وهكذا فإن علم الفراسة باق لم يمت بعد ولكنه الآن اثر ان يتواري عن الأنظار ونظرة إلى تاريخه الطويل المثير قد تمدنا بأسباب جاذبيته في النفوس .
وكثيرا ما أُلفت الكتب والمقالات التي حاولت تفسير المعاني التي ينطوي عليها مظهر كل جزء من أجزاء البدن وإشكالها وإحجامها وألوانها وتراكيبها , فالشعر الخشن والبطن العريض المنبسط والجبهة الحادة المنبسطة بلا ضخامة والصدر العريض الممتلئ كانت جميعا تعتبر من أدلة الشجاعة عند الإنسان وهذه الإشكال مشتقة عن المظاهر الجسدية للحيوان ولا سيما الأسد .
والميل إلى أتباع هذا السبيل سبيل المقارنة بين الإنسان ومظهر الحيوان كان أيضا مما آمن به رجال الطب فجالينوس اكبر سلطة طبية في القرون الوسطى عزا إلى ابقراط أبي الطب تأسيس علم الفراسة .
ولقد استمر الأطباء في استعمال علم الفراسة طوال فترة العصور القديمة ودخلوا به إلى العصور الوسيطة .
غير ان تقبل الأطباء القدامي للفراسة لم يكن كافيا لمنحها قابلية التصديق فقد كان المنجمون وسواهم من أدعياء الاطلاع على الغيب يستخدمون علم الفراسة كطريقة من طرق الكشف عن المستقبل ويروي سويتونيوس كيف ان الأسرة المالكة في روما قد استأجرت خبيراً بالفراسة كي يقرأ وجه بريتانيكوس ولي العهد.
وقد تكهن هذا الخبير بأن شكل جبهة بريتانيكوس لم تكن توحي بأنه يمكن أن يحكم البلاد وقال إن تيتوس ( وكان يقف إلى جواره ) قادر على الحكم وسرعان ما ألقي ولي لعهد في غياهب السجن حيث دس له السم ومات وأخيرا صعد تيتوس إلى سدة الحكم .
ولقد استنكرت الكنيسة هذا الفرع من فروع العلم وأصدرت في عام 1559 امرأ وصفت فيه الفراسة بالهرطقة وحرمتها على الناس وفي القرن السابع عشر اندثرت الفراسة لا بوصفها متعارضة مع تعاليم الكنيسة فقط وإنما لكونها غير منسجمة مع تباشير عصر العقل الذي أخذت أنواره تطل على الأكوان .
ولكن يجب علينا ألا نستهين قط بقوة الأمور غير المنطقية فقد توارت الفراسة ولكنها لم تزل بل كان زوالها مؤقتا وفي عام 1775 اصدر يوهان كاسبر لافاتيه الصوفي ورجل اللاهوت السويسري المجلد الأول من موسوعته " نتف فراسيه عن الدعوة إلى المعرفة وحب البشرية " وبالإمكان وصف ذلك الرجل بأنه اكبر داعية من دعاة الفراسة في التاريخ وقد استغرقت موسوعته أربعة مجلدات وبمرور الزمن كثر إتباع لافاتيه حتى صار مادة لهوس الناس في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر جنبا إلى جنب مع فن التنويم المغناطيسي وقد بلغ انتشار علم الفراسة شأوا بعيدا حمل الفيلسوف الألماني هيغل على تخصيص فصل طويل من كتابه " ظاهرة العقل " لدحض الفراسة .
وفي القرن التاسع عشر توارت فراسة لا فاتيه لا بسبب حملة هيغل وإنما لأنه قد حل محل الفراسة هوس جديد هو فراسة الدماغ " فرينولوجيا " Phrenoloqy" " أي قراءة الطباع من دراسة نتؤات الجمجمة وكانت فراسة الدماغ ظاهريا ادعي للاحترام من فراسة الوجه وذلك من الناحية العملية إذا أنها كانت تزعم وجود تطابق مباشر بين الملكات العقلية المتضوعة في مناطق محدودة من الدماغ وعدم الانسجام في تركيب الجمجمة المحتوية على الدماغ ومع طغيان فراسة الوجه ظلت موجودة حتى حوالي عام 1900 وبعد ان ماتت فراسة الدماغ او كادت عادت فراسة الوجه فأطلّت من جديد ووجدت ان اتبعاها ما يزالون كثرا.
إن قائد آخر موجة من دعاة الاهتمام بالفراسة رجل يدعي الدكتور هولمز ويتيير ميرتون وكان حفيد براهمي هندي وابن جوزفين ايفانز ميرتون من أوليات من أحرزت درجة الدكتوراه في الطب بالولايات المتحدة وقد اشرف والدا هولمز ميرتون على تعليمة وفي سن الثانية عشرة استطاع ان يجري أول تشريح بشري, وقرا هذا الصبي آخر المؤلفات العملية والتحق بكلية للطب واخذ يساعد والده في رسم سلسلة من اللوحات التشريحية التي كانت لا تزال تستعمل حتى أواخر الثلاثينات.
إلا ان الحب الأول في قلب ذلك الرجل كان مكرسا للفراسة وقد اخذ يدرس خصائص الإنسان كما يستدل عليها من وجوههم وقضى من عمرة أثنى عشر عاما وهو يزور المصانع والمعامل وأماكن العمل الأخرى باحثا عن التطابق بين أراء الرجال العاملين وإشكال أنوفهم وإحجام ذقونهم ومساحات جباههم وفي عام 1918 أسس معهد ميرتون في نيويورك وكان مدرسة للارشاد المهني المرتكز على أساليب الفراسة
ونجح ذلك المعهد نجاحا عظيما وتقاطر الناس عليه من كل حدب وصوب من سائر إنحاء الولايات المتحدة كي يقرأ لهم سماتهم ويدّلهم على انسب الأعمال التي تصلح لهم وكثيرون منهم بقوا في المعهد كي يدرسوا طرق ميرتون وامتلأت المجلات بالمقالات التي تتحدث عن علم الفراسة وشرع كثير من علماء النفس الاكاديمين بالفزع وهم يرون هذا الاهتمام الطاغي بشئ يعتبرونه من السخافات وانبروا لدحض كل ما قيل عن الفراسة من مقدرة على معرفة طباع الإنسان.
قد يكون سبب قدرة الفراسة على الصمود أنها لا تعتمد على التخمين والظن فنحن على سبيل المثال لا نستطيع ان نرى ما يجول في عقول الناس أو نعرف نياتهم تجاهنا ألا بنوع السلوك الذي يبدونه والسلوك قد يكون خفيا غامضا فالناس يكذبون على بعضهم بعضا ويخبئون حقيقة مشاعرهم وهم في بعض الأحيان لا يستطيعون ان يقولوا حتى عن أنفسهم ما الذي يحبونه
إذاً يجوز لنا ان نتصور الاغراء الموجود في نظام للمعرفة ( الفراسة ) يزعم القدرة على قراءة سلوك الناس وصفاتهم من علامات ثابتة لا تخيب منطبعة على أجسامهم . وبعد فإن الإنسان لم يتخلص إلا مؤخرا ( قياسا إلى تاريخه على ظهر الأرض ) من حالة تطوره البدائية الذي كان الاعتداء فيه الأمر الشائع وكانت الحياة فيها قصيرة قاسية لا تعرف الرحمة وهكذا كانت المقدرة على مخادعة الناس من الصفات التي ترجح كفة المخادعين وفي ضوء ذلك كانت المقارنات التي تعقد بين صفات إنسان ما وصفات حيوان يشبهه من الأمور التي تحظي بشئ من المنطقية والقبول فالحيوانات على الدوام تملك طباعا مكشوفة وطرقا للسلوك ذات نمط مبدئي نراه بأعيننا رأي العين فالأسد مثلا له كل صفات الملك والثعلب له صفات المكر والدهاء .
وتصور أيضا مقدار الاغراء بايجاد تشابه بين نظرة وسلوك الثعلب والتشابه على كل حال هو احد المبادئ الأساسية التي نقسم بها الأشياء .
وما يبدو مشكوكا فيه ألان ان تعود الفراسة إلى الازدهار كما ازدهرت في العشرينات والثلاثينات فقد انجز العلماء قدراً كبيراً من الأعمال منذ أيام ميرتون من اجل تحليل التعبيرات الوجهية والاشارات وسائر أنواع اللغة الجسدية وهؤلاء هم علماء قراءة الوجه وهو علم قد يدفن الفراسة إلى الأبد وعلماء قراءة الوجه أذا صح التعبير يهتمون بالأمور العارضة وبالعواطف التي تجئ وتذهب تاركين تقاطيع الوجه وتركيبه الدائم بدون تغيير فهذه الخالي من أي تعبير لا تمكن قراءته علميا والعلماء واثقون من انه سيظل مستعصيا على القراءة .. هكذا قرأت فيما ورد عن (الفراسة) وفوق كل ذي علم عليم..
ان الإنسان يعبر عن هذه العواطف الثلاث بصورة واحدة لا تتغير تقريبا وعلماء النفس ذوو الارتباط بالأعصاب قد بدؤوا مؤخراً يدرسون التباين في التعبير بين احد جانبي الوجه والجانب الآخر, في حين ان دارسي العملية الشعورية قد اثأر اهتمامهم طريقة تعرف الإنسان إلى وجوه أو تذكر ملامح إنسان كان يسكن هذا الحي أو ذاك منذ ثماني أو عشر سنوات .
إن جمع هذه النتف من المعلومات واحدة بعد الأخرى يفضي في النهاية إلى ما يسمى علم قراءة الوجوه وهو علم قديم قدم الإنسان نفسه .
وقد أولى أفلاطون وأرسطو علم الفراسة اهتمامها واسبغا عليه شيئا من الصدق والواقعية ومن القصص التي راجت حول سقراط في الزمن الغابر ان ذلك الفيلسوف قد أتاح لأحد علماء الفراسة ان يدرس ما توحي به ملامح وإسم سقراط الذي كان احكم زمانه , بأنه " غبي سقيم النكتة " لان مؤخرة عنقه كانت خالية من الأخدود ووصفة أيضا بأنه زير نساء.
إلا ان العلم في أيامنا لا يسَّلم بوجود أي علاقة بين تقاطيع الوجه وخصال الإنسان الذي يحمل ذلك الوجه , وان شكل الأنف مثلا لا يمكن ان يكون له ادني تأثير على المسلطات الذهنية وكذلك الجبهة والعينان وما إليها .
ولكن العلم كما نعرف هو من الأمور الحديثة العهد نسبيا في تاريخ البشرية فهناك عادات وأفكار لا دخل لها بالعلم لا تزال تتشبث في دخائلنا جميعا وهكذا نجد كثيرا من المعارف التي لا علاقة لها بالعلم راسخة الجذور في الإنسان بل أنها قد تزدهر أحيانا
وهكذا فإن علم الفراسة باق لم يمت بعد ولكنه الآن اثر ان يتواري عن الأنظار ونظرة إلى تاريخه الطويل المثير قد تمدنا بأسباب جاذبيته في النفوس .
وكثيرا ما أُلفت الكتب والمقالات التي حاولت تفسير المعاني التي ينطوي عليها مظهر كل جزء من أجزاء البدن وإشكالها وإحجامها وألوانها وتراكيبها , فالشعر الخشن والبطن العريض المنبسط والجبهة الحادة المنبسطة بلا ضخامة والصدر العريض الممتلئ كانت جميعا تعتبر من أدلة الشجاعة عند الإنسان وهذه الإشكال مشتقة عن المظاهر الجسدية للحيوان ولا سيما الأسد .
والميل إلى أتباع هذا السبيل سبيل المقارنة بين الإنسان ومظهر الحيوان كان أيضا مما آمن به رجال الطب فجالينوس اكبر سلطة طبية في القرون الوسطى عزا إلى ابقراط أبي الطب تأسيس علم الفراسة .
ولقد استمر الأطباء في استعمال علم الفراسة طوال فترة العصور القديمة ودخلوا به إلى العصور الوسيطة .
غير ان تقبل الأطباء القدامي للفراسة لم يكن كافيا لمنحها قابلية التصديق فقد كان المنجمون وسواهم من أدعياء الاطلاع على الغيب يستخدمون علم الفراسة كطريقة من طرق الكشف عن المستقبل ويروي سويتونيوس كيف ان الأسرة المالكة في روما قد استأجرت خبيراً بالفراسة كي يقرأ وجه بريتانيكوس ولي العهد.
وقد تكهن هذا الخبير بأن شكل جبهة بريتانيكوس لم تكن توحي بأنه يمكن أن يحكم البلاد وقال إن تيتوس ( وكان يقف إلى جواره ) قادر على الحكم وسرعان ما ألقي ولي لعهد في غياهب السجن حيث دس له السم ومات وأخيرا صعد تيتوس إلى سدة الحكم .
ولقد استنكرت الكنيسة هذا الفرع من فروع العلم وأصدرت في عام 1559 امرأ وصفت فيه الفراسة بالهرطقة وحرمتها على الناس وفي القرن السابع عشر اندثرت الفراسة لا بوصفها متعارضة مع تعاليم الكنيسة فقط وإنما لكونها غير منسجمة مع تباشير عصر العقل الذي أخذت أنواره تطل على الأكوان .
ولكن يجب علينا ألا نستهين قط بقوة الأمور غير المنطقية فقد توارت الفراسة ولكنها لم تزل بل كان زوالها مؤقتا وفي عام 1775 اصدر يوهان كاسبر لافاتيه الصوفي ورجل اللاهوت السويسري المجلد الأول من موسوعته " نتف فراسيه عن الدعوة إلى المعرفة وحب البشرية " وبالإمكان وصف ذلك الرجل بأنه اكبر داعية من دعاة الفراسة في التاريخ وقد استغرقت موسوعته أربعة مجلدات وبمرور الزمن كثر إتباع لافاتيه حتى صار مادة لهوس الناس في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر جنبا إلى جنب مع فن التنويم المغناطيسي وقد بلغ انتشار علم الفراسة شأوا بعيدا حمل الفيلسوف الألماني هيغل على تخصيص فصل طويل من كتابه " ظاهرة العقل " لدحض الفراسة .
وفي القرن التاسع عشر توارت فراسة لا فاتيه لا بسبب حملة هيغل وإنما لأنه قد حل محل الفراسة هوس جديد هو فراسة الدماغ " فرينولوجيا " Phrenoloqy" " أي قراءة الطباع من دراسة نتؤات الجمجمة وكانت فراسة الدماغ ظاهريا ادعي للاحترام من فراسة الوجه وذلك من الناحية العملية إذا أنها كانت تزعم وجود تطابق مباشر بين الملكات العقلية المتضوعة في مناطق محدودة من الدماغ وعدم الانسجام في تركيب الجمجمة المحتوية على الدماغ ومع طغيان فراسة الوجه ظلت موجودة حتى حوالي عام 1900 وبعد ان ماتت فراسة الدماغ او كادت عادت فراسة الوجه فأطلّت من جديد ووجدت ان اتبعاها ما يزالون كثرا.
إن قائد آخر موجة من دعاة الاهتمام بالفراسة رجل يدعي الدكتور هولمز ويتيير ميرتون وكان حفيد براهمي هندي وابن جوزفين ايفانز ميرتون من أوليات من أحرزت درجة الدكتوراه في الطب بالولايات المتحدة وقد اشرف والدا هولمز ميرتون على تعليمة وفي سن الثانية عشرة استطاع ان يجري أول تشريح بشري, وقرا هذا الصبي آخر المؤلفات العملية والتحق بكلية للطب واخذ يساعد والده في رسم سلسلة من اللوحات التشريحية التي كانت لا تزال تستعمل حتى أواخر الثلاثينات.
إلا ان الحب الأول في قلب ذلك الرجل كان مكرسا للفراسة وقد اخذ يدرس خصائص الإنسان كما يستدل عليها من وجوههم وقضى من عمرة أثنى عشر عاما وهو يزور المصانع والمعامل وأماكن العمل الأخرى باحثا عن التطابق بين أراء الرجال العاملين وإشكال أنوفهم وإحجام ذقونهم ومساحات جباههم وفي عام 1918 أسس معهد ميرتون في نيويورك وكان مدرسة للارشاد المهني المرتكز على أساليب الفراسة
ونجح ذلك المعهد نجاحا عظيما وتقاطر الناس عليه من كل حدب وصوب من سائر إنحاء الولايات المتحدة كي يقرأ لهم سماتهم ويدّلهم على انسب الأعمال التي تصلح لهم وكثيرون منهم بقوا في المعهد كي يدرسوا طرق ميرتون وامتلأت المجلات بالمقالات التي تتحدث عن علم الفراسة وشرع كثير من علماء النفس الاكاديمين بالفزع وهم يرون هذا الاهتمام الطاغي بشئ يعتبرونه من السخافات وانبروا لدحض كل ما قيل عن الفراسة من مقدرة على معرفة طباع الإنسان.
قد يكون سبب قدرة الفراسة على الصمود أنها لا تعتمد على التخمين والظن فنحن على سبيل المثال لا نستطيع ان نرى ما يجول في عقول الناس أو نعرف نياتهم تجاهنا ألا بنوع السلوك الذي يبدونه والسلوك قد يكون خفيا غامضا فالناس يكذبون على بعضهم بعضا ويخبئون حقيقة مشاعرهم وهم في بعض الأحيان لا يستطيعون ان يقولوا حتى عن أنفسهم ما الذي يحبونه
إذاً يجوز لنا ان نتصور الاغراء الموجود في نظام للمعرفة ( الفراسة ) يزعم القدرة على قراءة سلوك الناس وصفاتهم من علامات ثابتة لا تخيب منطبعة على أجسامهم . وبعد فإن الإنسان لم يتخلص إلا مؤخرا ( قياسا إلى تاريخه على ظهر الأرض ) من حالة تطوره البدائية الذي كان الاعتداء فيه الأمر الشائع وكانت الحياة فيها قصيرة قاسية لا تعرف الرحمة وهكذا كانت المقدرة على مخادعة الناس من الصفات التي ترجح كفة المخادعين وفي ضوء ذلك كانت المقارنات التي تعقد بين صفات إنسان ما وصفات حيوان يشبهه من الأمور التي تحظي بشئ من المنطقية والقبول فالحيوانات على الدوام تملك طباعا مكشوفة وطرقا للسلوك ذات نمط مبدئي نراه بأعيننا رأي العين فالأسد مثلا له كل صفات الملك والثعلب له صفات المكر والدهاء .
وتصور أيضا مقدار الاغراء بايجاد تشابه بين نظرة وسلوك الثعلب والتشابه على كل حال هو احد المبادئ الأساسية التي نقسم بها الأشياء .
وما يبدو مشكوكا فيه ألان ان تعود الفراسة إلى الازدهار كما ازدهرت في العشرينات والثلاثينات فقد انجز العلماء قدراً كبيراً من الأعمال منذ أيام ميرتون من اجل تحليل التعبيرات الوجهية والاشارات وسائر أنواع اللغة الجسدية وهؤلاء هم علماء قراءة الوجه وهو علم قد يدفن الفراسة إلى الأبد وعلماء قراءة الوجه أذا صح التعبير يهتمون بالأمور العارضة وبالعواطف التي تجئ وتذهب تاركين تقاطيع الوجه وتركيبه الدائم بدون تغيير فهذه الخالي من أي تعبير لا تمكن قراءته علميا والعلماء واثقون من انه سيظل مستعصيا على القراءة .. هكذا قرأت فيما ورد عن (الفراسة) وفوق كل ذي علم عليم..
بقلم / محمد بن فراج الشهري ..
alfrrajmf@hotmail.com
alfrrajmf@hotmail.com